تداولت مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت منذ أيام مقطع فيديو لحادثة الكامري الأليمة التي وقعت في مدينة الرياض فجر الجمعة 4-7-1433هـ ونجم عنها وفاة بعض الشباب غفر الله لهم وتجاوز عنهم. هذه الحادثة تشكل مزيداً من الاستمرار والاستمراء والتمادي لمسلسل العنف الذي يمارسه شبابنا وأبناؤنا في طرقات وشوارع مدن المملكة بلا إدراك لعواقب هذه المغامرات التي أودت بحياة الكثيرين من أبناء الوطن الغالي، وأوجعت قلوب الأمهات والآباء وأثكلتهم بفقدان فلذات أكبادهم وهم في عمر الزهور، تجعلنا جميعاً في خندق واحد ضد العبثية التي يمارسها المستهترون بالأرواح والأنفس والممتلكات مما يجعل التفحيط في قائمة الأفعال الجرمية التي يطلق عليها الإرهاب.
تكلم عن هذه الظاهرة الدعاة والمربون والمسؤولون وذوي الرأي وبحت حناجرهم وهم يناقشون هذه الظاهرة الخطيرة على مجتمعنا السعودي - ظاهرة التفحيط - ولكن المؤشرات التي تخرج من خلال إحصائيات الأمن العام سنوياً وخاصة من الإدارة العامة للمرور في المملكة لتوضح بشكل قاطع ازدياد ظاهرة التفحيط واستفحال هذه المشكلة وعدم انحسارها وتراجع معدلاتها حتى أصبحت المملكة العربية السعودية وبكل أسف بلداً يعاني من ازدياد نسبة الحوادث المرورية والوفيات الناجمة عنها.
لنقف وقفة جادة مع أنفسنا ونعالج هذه المشكلة الخطيرة على مجتمعنا لأنها تهدد حياة الكثيرين وتنهش في بنيان الاستقرار الأمني لبلادنا، فكيف بنا في هذه البلاد الغالية الحبيبة نفخر بطمأنينة المواطن وشعوره مع أخيه المقيم بالأمن في وقت نعاني فيه من همجية الشباب وعدم مبالاتهم وفقدانهم لحس المسؤولية بارتكاب جرائم التفحيط التي تشهدها شوارع الرياض وحواريها كل اسبوع ناهيك عن باقي مدن المملكة.
أناشد سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله تعالى وصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية النظر في هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد سلامة وأمن مجتمعنا السعودي، فالتفحيط والإرهاب صنوان لا يفترقان وآثارهما مدمرة على المجتمع، ونستطيع القول إن التفحيط هو أحد صور الإرهاب البشع الذي يمارسه الخارجون عن قانون الدولة وهيبتها لإيذاء المسلمين، وفيه من قتل الأنفس وزهق الأرواح والممتلكات ما يندي له الجبين. كما لا يخفى على المسؤولين عن الأمن في بلادنا حفظهم الله أننا نمر في مرحلة حساسة تسودها فترة من الزمن حرجة وصعبة على الوطن العربي شهد فيها أكثر من بلد عربي شقيق اضطرابات سياسية مستمرة واحتجاجات بصور وأشكال مختلفة، واندلعت ثورات هناك استثمرتها فئات خارجة عن القانون، وتحركت من خلالها الكثير من الدعوات المضللة التي تصدر من مواقع مشبوهة في الخارج لتوتير الأوضاع العربية، وتحريض الشباب العربي على التظاهر والاحتجاج، ومن أجل ذلك حرصت حكومة بلادنا حفظها الله على منع كل أشكال التجمهر وصور التظاهر والتجمعات التي لا طائل من ورائها إلا المفاسد والمهالك، فلا نتمنى لبلادنا أن تعتاد على تجمعات التفحيط التي تخل بالأمن وتهدد الصالح العام للمجتمع السعودي هذه التجمعات التي تلتقي لمشاهدة مباريات الموت عبر بطولات التفحيط قد تستثمر لتمرير أجندات خارجية تستهدف أمن بلادنا من خلال التأثير بشبابنا والسيطرة عليهم إما بتعاطي المخدرات أو تمرير الأفكار الضالة لهم.
لقد أثبتت الدولة السعودية بتوفيق الله عز وجل وبعونه تعالى ثم بسداد ولاة أمورنا حفظهم الله قدرتها على التصدي لظاهرة الإرهاب القبيح الذي ابتليت به الأمة وعانى منه الوطن العزيز، ومن خلال هيبة الدولة التي يحق لها استخدام القوة الأمنية لنشر الأمن والاستقرار في البلاد أثبت رجال الأمن البواسل في مختلف الميادين أنهم على أهبة الاستعداد لدحر كل من تسول له نفسه الاعتداء على الوطن ومقدراته.
وهذا هو الشر يطل برأسه اليوم في صورة أخرى من صور الإرهاب من خلال التجمعات المشبوهة التي تجمع المفحطين كل أسبوع، ويلتقي فيها المخربون من كل حدب وصوب، فعانى منهم العباد وتعطلت مصالحهم في الطرقات التي تشهد هذه التجمعات الشبابية التي لم تجتمع على خير أبداً ولم تلتق لخدمة الوطن وأبنائه فأرجو من ولاة أمورنا يحفظهم الله تعالى أن تكون هناك إجراءات أكثر صرامة مع كل من تسول له نفسه إيذاء المسلمين بسيارة، وأن تكون عقوبات التفحيط أكثر ردعاً وحزماً بحيث لا تقتصر على إيقاف السائق مدة قصيرة فقط وسحب السيارة إلى الحجز. لأنه سيخرج بعد ذلك ليكمل مسيرة هواياته العبثية الحمقاء وتصرفاته الرعناء، كما أرجو أن يوضع التفحيط في خانة الأعمال الجرمية التي لن تتساهل مع مرتكبيها الدولة بحيث يهاب من اقترافها الشباب ويخشى من ممارستها السفهاء، لأن مناقشات التربويين ونصائح ذوي التجارب لا تكفي للقضاء على هكذا ظواهر خطيرة، وإن الله لينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن كما قال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه. كما أرجو من الإخوة الكرام في الإدارة العامة للمرور أن يعملوا وبالتعاون مع المسؤولين في وزارة الداخلية على سن القوانين التي تمنع كل ما يكتب على السيارات من عبارات تشجيعية للتفحيط والعبث والاستهتار من خلال الفئوية التي تتفشى معها ظاهرة التفرقة والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد، حتى أصبحت سيارات الشباب اليوم كأنها ركائب من الإبل موسومة للقبائل تلتقي في ساحات الوغى لمقارعة بعضها البعض بالتفحيط و(الهجولة) كما يطلقون عليها.
فهؤلاء الشباب يتأثرون بزيف الشهرة وإثارة إعجاب الآخرين بهم خاصة مع ما يشاهدونه من بطولات زائفة للتفحيط عبر قنوات التواصل الإلكتروني ومقاطع الفيديو المنتشرة اليوم بشكل خطير يستدعي منا جميعاً أن نحشد طاقاتنا الوطنية الأمنية والفكرية والتربوية لاحتواء ظاهرة التفحيط التي أزهقت الأرواح وانكأت الجراح وأهدرت طاقات الأمة البشرية، فلنقف وقفة جادة لإيقاف نزيف الدم المسكوب في شوارعنا والقضاء على مسلسل الآلام المستمر في طرقاتنا.
في الختام أتقدم بالعزاء لعوائل المتوفين في الحادثة التي دفعتني للكتابة في هذا الموضوع مع بالغ الحزن والأسى، غفر الله لهم وتجاوز عنهم وألهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
Memorial1960@hotmail.comالرياض