قد نتفق في الغالب على أن القليل جداً منا من يرون في اضطرارهم لاستخدام (السعودية) كناقل وطني خبرة إيجابية وفي الغالب سترى كمسافر ومن اللحظة الأولى لدخولك أحد مطاراتنا العيوب الظاهرة والباطنة في كل شيء حولك بدءًا من مطار الملك خالد المهترئ بالرياض
(هل يعقل أننا لا نمتلك خطة بديلة لهذا المطار؟ هل دخل أي من المسؤولين حمامات النساء مثلاً ورأى حالتها المزرية التي لا يمكن حتى مقارنتها بأفقر البلدان) عدا عن سوء معاملة العمال المسافرين وسوء إدارة الكاونترات وتأخر الإقلاع الخ من العيوب التي تصدمك في كل دقيقة من سفرك لتتمنى فقط أن تقلع بك الطائرة لتنتهي رحلة التفاعل مع عيوب هذا الناقل الوطني التي لا تنتهي.. لكن ألسنا أيضاً جزءاً من المشكلة كمواطنين؟
أتاح الله لي أن أكون على متن طائرة سعودية في رحلة طويلة وكم تعاطفت مع هؤلاء المضيفات المسكينات اللاتي لا يفهمن أبداً ما يجري من صراعات بين هؤلاء المواطنين. لا أحد من السعوديين كان مبسوطاً أو يحاول أن يكون قنوعاً وواقعياً وكل ما كانوا يفعلونه هو الشكوى ثم الشكوى ثم الشكوى؟
كل فرد كان يعتقد بأنه الأكثر أهمية على هذه الأرض وأن على كافة طاقم الطائرة أن يكون رهن إشارته متى ما شاء فإن طلب شيئاً فأنا ابن فلان.. فاين أنتم؟ وإن دخل الحمام جلس فيه ما شاء كما لو لم يكن هناك أكثر من ثلاثمائة راكب في طائرة محدودة المساحة، ثم خرج منه دون أن يراعي أبسط قواعد النظافة أو أن أحداً آخر سيستخدمه؟ وهو يتمشى في ممرات الطائرة هو وأطفاله كما لو لم يكن هناك خدمات لآخرين ولن يتمكن طاقم الطائرة من تقديمها دون تعاون الجميع. كانت رحلة تعذيب بامتياز بين أعداد الأطفال الهائلة وصراخهم المستمر وضجيج آبائهم وشكاويهم التي لا تنتهي فكل يريد المقعد الذي ليس له حتى يكون بجانب قريبه أو أخته أو أولاده أو شغالته والكل يريد كل المخدات والبطاطين ويصرخ في كل اتجاه ولا أحد يدرك عمومية الموقف واشتراكنا جميعاً في دفعه أو إعاقته وتذكرت كم أن هذه الصفة تلعب دوراً في إعاقة أعمال جليلة يمكن أن نحققها لو أننا فقط توقفنا عن الشكوى وبدأنا نشعر بمسؤوليتنا الفردية المباشرة وساهمنا ولو فقط بالابتسامة لربما تمكنا من رؤية ما يفعله الآخرون من أجلنا أو ساهمنا بالقليل لدفعها.
إنها ظاهرة ثقافية. أن نكتفي بالشكوى طوال الوقت من كل شيء وهذا من الناحية النفسية يقدم لنا نوعاً من الحماية الكاذبة بأننا ساهمنا بشكل ما في الموقف من خلال فتح أفواهنا وقذف شكوانا في وجوه من يحاولون أن يصنعوا شيئاً.. وهكذا في كثير من المواقف كل ما نفعله هو أن نلجأ بسرعة إلى أن نضج بالشكوى لكننا لا ندرك أيضاً أدوارنا في جعل الموقف أكثر صعوبة مما هو عليه في الحقيقة، فالمرأة تشتكي من زوجها وطفلها وشغالتها وإذا كانت تعمل فالمشكلة مع رئيستها في العمل أو زميلتها أو حتى عاملة النظافة (التي لا تفهم) والرجل يصرخ ضاجاً من عمله وواجباته المنزلية وأعبائه المالية والأطفال غير راضين عن حياتهم أو عن ألعابهم أو ما يمنح لهم وهكذا تلف الحلقة فوق رقاب الجميع لتسمع الشكوى والأنين أينما ذهبت.
لا أحد يريد أن يدرك مسؤوليته الفردية تجاه كل ما يحدث فقد تكون الخدمات مثلاً سيئة في المطار لكنني أضيف إليها إذا لم ألتزم بالطابور أو حاولت القفز على المنتظرين بمعارفي الشخصية وهكذا.. المستشفى أكثر فوضى لأننا ننقل له كل أمراضنا الاجتماعية المستعصية من سحب الأسرّة من مستحقين وإعطائها لمن (يرى النظام الاجتماعي) أنهم أكثر أهمية ولأن الفوضى في مستوى معين سواء في الملفات أو لدى الممرضات أو في المعامل ستنعكس بالضرورة على بقية الطاقم الطبي الذي لا يعمل إلا ضمن شبكة منظمة من الخدمات التي تحقق في النهاية الهدف من الخدمة الصحية وهكذا في المؤسسات التعليمية والخدمات الاجتماعية الخ.
في كل الأحوال من المهم أن ننتبه للظاهرة.. هناك حالة قلق وعدم رضا ربما تبنئ عن حالة اكتئاب عامة يجب العناية بها. المجتمعات مثل الأفراد قد تصل إلى حالة من الضجر والاكتئاب تحتاج معه إلى التعامل بإيجابية مع بعض الطاقة السلبية التي تملأ الفضاء وتفسد العمل الجماعي مما يفرض أن يتم وضع خطط عامة تساعد الناس على تفريغ بعض طاقاتهم السلبية لكن في نفس الوقت تمكنهم من فهم أدوارهم الأساسية في كل ما يحدث؟ لو أن كلاً منا وفي هذا الحر القاتل تذكر أن نسبة ما يستخدمه من ماء يجب أن يكون في أقل حده بغض النظر عن موقعه في المجتمع لما عانينا من كل هذه الانقطاعات التي لا تنتهي في المياه الحكومية.. لو أن الأب أو (في معظم الحالات العاملة المنزلية) أغلقت الزبالة بعناية قبل رميها في حاوية البلدية لما تناثرت فضلاتنا على الطريق ولقلل ذلك انتشار الحشرات ولما اضطرت البلدية لتكرار رش هذه المبيدات الخطيرة في أعماق الأحياء التي نعرف جميعاً أثرها المدمر على صحتنا وصحة من نحب.. وهكذا كل هذه الأشياء الصغيرة في العمل والبيت والأماكن العامة هي ما ينمي الشعور بالمسئولية الاجتماعية والشخصية وهي ما يجعلنا تدريجياً ندرك حجم وأثر فعاليتنا الفردية لبناء الفعالية الاجتماعية العامة ولنبدأ في التمهل والتفكير قليلاً قبل فتح أفواهنا فربما ساعد ذلك على التخفيف من هذه الظاهرة الثقافية العجيبة.