تعتبر القيادات الإدارية عملة نادرة في العالم الثالث، وتعد البيروقراطية والمحسوبية أهم عوائق غيابها عن ميدان العمل الإداري، لكن في لحظات تاريخية نادرة، تحدث طفرة إدارية تسمح لأحدهم للبزوغ والعمل على إحداث التغيير في بيئة الجمود، ولأنها قيادية ومميزة تعمل منذ البدء على كسر القيود البيروقراطية، وتحاول قدر جهدها أن تحقق الإنجاز في وقت قياسي..
قد تحدث أخطاء، وتلك طبيعة الإنسان، لكن الإنجاز قد يكبر ويصبح أقرب إلى الحقيقة من ذي قبل، وهو ما يثير شهية الناعقين الذين كانوا في سبات عميق في زمن الركود والجمود، وقد يصعب أحيانا معرفة دوافعهم، وقد تكون من باب النقد المنهجي، لكن أحيانا قد تظهر بين سطورهم كلمات تدينهم، ويتضح ذلك إذا تجاوز أحدهم الإنجازات الكبيرة، واستخدم العدسة المكبرة من أجل البحث عن الأخطاء، أو حين يقلل من قيمة الإنجاز عندما يشير إلى أن هذا واجب وطني، ولم يأت بجديد، ولكن ماذا عن الذين لم يؤدوا واجبهم الوطني، ومع ذلك لا يزالون على رأس العمل منذ سنوات طويلة.
جاء الدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- في زمن تطغى عليه الشخصية البيروقراطية الرتيبة، التي تُجيد إعداد الملفات وترتيبها ثم فهرستها في رفوف العجز الإداري، لكنه برغم من ذلك لم يقبل أن يكون أسيراً للإدارة المكبلة، ليقوده طموحه الكبير وقياديته المميزة إلى كسر طوق البيروقراطية وطلب العون من القيادة العليا في ذلك الوقت لتجاوز المعوقات، ويحصل على الدعم، ويحدث الإنجاز في وقت قياسي، لكن ذلك النجاح لا يرتاح إليه العقل البيروقراطي الكسول والجامد، ويغيب الدكتور غازي عن مسرح التنمية، الذي كان بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى مثالاً للشخصية الإدارية القيادية التي تسعى إلى تحقيق الإنجاز.
كنت ولا زلت أبحث عن إجابة عن سر غياب النقد بشتى أنواعه عن بعض الشخصيات الإدارية التي أكل عليها الزمن وشرب، برغم من جمودها الشديد وغياب الإنجاز عن سيرتها الذاتية، كنت أنتظر من الناعقين ألا يكتفوا فقط برمي الأشجار المثمرة، ولكن أن يوجهوا سهامهم أيضا إلى الذين جلسوا لسنوات طويلة في كراسيهم جامدين غير مكترثين بمطالب الناس وحاجاتهم، والتي تعتبر الهدف الإستراتيجي الأول عند القيادة العليا، وما يرجوه المواطنون من المسؤول.
لأسباب غابت عن فهمي المتواضع تم إعفاء الدكتور عبدالله العثمان من إدارة جامعة الملك سعود، بعد أن نفض الغبار عن جامعة فقدت القدرة على الحراك لفترة طويلة، وقد يكون هناك سبب أو أسباب موضوعية، وبغض النظر عن خلفيات القرار، أقدم من خلال هذه المقالة شخصية الدكتور العثمان كمثال آخر على القيادة الإدارية التي بحثت عن الإنجاز مهما كلف الأمر، فقد أحدث الدكتور العثمان في زمن قصير وبمباركة وإصرار من القيادة العليا تغييرات كبيرة ليس فقط على المستوى الكمي، ولكن أيضاً على المستوى النوعي والذهني، فطفرة البحث العلمي مهما شابها من أخطاء أحدثت تغييراً في عقلية الباحث السعودي، وأقول ذلك لأن تعزيز ثقافة البحث العلمي في المجتمع هو المنجز الحقيقي في دول العالم الثالث، وهي البوابة التي قد تدفع به إلى عالم أكثر تقدماً..
أكتب هذه المقالة ليس من دوافع إقليمية أو منافع شخصية، ولكن لأنني أؤمن أن الشخصيات الإدارية القيادية تدخل في حكم النادر على مستوى العالم، فما بالك بدول تبحث بجهد بالغ عمن يحقق الإنجاز داخل حدودها، كذلك دفعني للكتابة في هذا الشأن الحيوي بالإضافة إلى ندرة تلك الشخصيات القيادية تواجد كثيف لشخصيات إدارية فاقدة لأبسط أبجديات النجاح والقدرة على التغيير، لكنها تجيد بحرفنة وقدرات فائقة فن الاستمرار في المناصب لسنوات طويلة.