كـل مـن خــاض في التصريحات الصحفية لرئيس شركة أرامكو السعودية المهندس خالد الفالح، المتعلقة بالأراضي التي تحتجزها الشركة في المنطقة الشرقية، تناول الموضوع من زاوية واحدة، هي «محجوزات أرامكو» المملوكة لها أو الداخلة في امتيازها، دون التعرض لأملاك المواطنين الخارجة من تصنيف (المحجوزات)، التي تقف «أرامكو السعودية» عثرة أمام استنفاعهم بها لأسباب لا علاقة لها بالامتياز الحكومي!
أتفق مع ما ذكره المهندس خالد الفالح بأهمية إبقاء الأراضي المملوكة لأرامكو ضمن الامتياز، وعدم التفريط بها، لأهميتها في إنتاج النفط والغاز، إلا أنني أختلف معه في تعسف «أرامكو السعودية» في استغلال حقها الامتيازي للإضرار بالمواطنين ومنعهم من الاستنفاع بأراضيهم الخارجة من ذلك التصنيف الامتيازي، وإن كان عن غير قصد؛ فهي أراضٍ مملوكة للمواطنين وفق صكوك رسمية، اشتروها بحُرّ مالهم، ولم يتحصلوا عليها كمنحة من الدولة، أو هبة من أي جهة أخرى.
تعسف «أرامكو» في استغلال حقها الامتيازي دعمه تفريط من قِبل أمانة الدمام في حقها الإشرافي والتنظيمي على الأراضي الواقعة داخل النطاق العمراني، التي تعتبر ضمن صلاحياتها المباشرة، والتنازل عن قراراتها البلدية لمصلحة «أرامكو»، وهذا أمرٌ فيه من تداخل الصلاحيات الكثير؛ فالأمانة ربما فهمت خطأ قرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم تخطيط الأراضي ووجوب الرجوع إلى المصدر قبل السماح لملاكها بالتخطيط والاستنفاع؛ فهذا القرار موجّه للأراضي المملوكة بحجج استحكام، لا الأراضي المملوكة وفق صكوك موثقة، صادرة من قِبل كتابات العدل، وضمن النطاق العمراني المحدد بمخططات الأمانات والبلديات في المنطقة الشرقية. فالأمانة مسؤولة عن أراضي مخططاتها المعتمدة، والموثقة بصكوك الملكية، والواقعة بين المنازل المأهولة بالسكان؛ ومُطالَبة وفق النظام بتقديم تصاريح البناء والتخطيط للأراضي الواقعة ضمن مخططاتها، والمعتمدة من قِبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، دون الحاجة لأخذ الإذن من أرامكو السعودية. وأحسب أن أمانة الدمام باتت تُحول جميع طلبات المواطنين بتخطيط أراضيهم أو الاستنفاع بها إلى «أرامكو السعودية»، وكأنها تُسقط بذلك تبعيتها لوزارة الشؤون البلدية والقروية، وترفض في الوقت نفسه تحمُّل جانب رئيس من مسؤولياتها البلدية في المنطقة، وما يترتب عليها من حماية حقوق المواطنين التي كفلها الشرع والنظام والحكومة.
أعود لتصريحات المهندس خالد الفالح، التي جاء فيها: «لا يمكن أن نضحي بالاحتياطي من النفط والغاز تحت حقل الدمام الممتد إلى الظهران والخبر وحقل القطيف (من سيهات إلى شمال الجعيمة)، وفيه احتياطيات مهمة للأجيال القادمة، ممكن أن تضيع إذا لم تستطع الشركة حمايتها للأجيال القادمة، إلى جانب حقل الجبيل بري، واستغلال هذه الاحتياطيات مسؤولية الشركة والحكومة». وأسأله سؤالين مباشرين، أرجو أن أجد لديه الإجابة الشافية عنهما! السؤال الأول: هل يمكن أن تضم أرضاً في الجبيل مشيَّداً عليها مسكنٌ لأسرة فقيرة منذ العام 1398هـ، مساحتها لا تتجاوز 600 متر مربع، وتتوسط مساكن المدينة القديمة احتياطات من النفط والغاز؟! السؤال الثاني هو: هل يمكن اعتبار أرض في حي الضباب بالجبيل ملاصقة لجسر يخترقه طريق رئيس في المدينة، وتحيط بها مخططات البلدية والمساكن المأهولة من كل جانب، مستودعاً لاحتياطيات الأجيال القادمة من النفط والغاز؟! وقبل الإجابة أرجو من المهندس الفالح الوقوف شخصياً على الموقعين، اللذين اعتبرتهما أرامكو السعودية من مواقع احتياطيات الأجيال القادمة من النفط والغاز، ورفضت بسبب ذلك التصريح لملاك الأرضين بالبناء والتخطيط!
أتفق مع ما قاله المهندس الفالح من أن «أرامكو لا تحتجز الأراضي بغرض المتاجرة»، بل لحماية الاحتياطيات من أجل مصلحة الأجيال القادمة، ولكن ماذا عن حقوق الأجيال المعاصرة التي يجب أن يكون سعادته أكثر حرصاً على حمايتها من الضياع؟!
نحن لا نتحدث عن «محجوزات أرامكو» سيدي الرئيس بل عن أملاك المواطنين الموثقة بصكوك صادرة من كتابات العدل، التي تقع ضمن محيط المدينة، وتتوسط المنازل المأهولة، وهي أملاك صانها الشرع قبل النظام؛ ومن المفترض ألا تتسبب أرامكو في استباحتها وتضييعها بالتجميد القسري، مُستغلة الخلط بين مفهومي الأملاك الخاصة والامتياز. الامتياز لا يمكن أن يستبيح حقوق المواطنين وأملاكهم. «أرامكو السعودية» أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السماح لملاك الأراضي في المنطقة الشرقية بالاستنفاع بأراضيهم المملوكة، أو تعويضهم مالياً ونزع ملكية أراضيهم لمصلحة أرامكو و»الأجيال القادمة».
f.albuainain@hotmail.com