لا أحد يشك في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على محو جمهورية إيران الإسلامية من الخارطة، والمحو من الخريطة لا تعني بالطبع نزع المساحة الجغرافية لإيران من كوكب الأرض ولكنه يعني القدرة على تدمير شبكات الماء والكهرباء والطرق والاتصالات والدفاعات وكل ما هو ضروري للإنسان في العيش والأمن والدفاع،
لكن ذلك أيضًا سيدمر الاقتصاد الأمريكي وربما يمحوه من خريطة الاقتصاد العالمي، ولهذا وذاك نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا، والمشكلة في هذه الجعجعة أنها توجع وتؤلم القريبين من ساحة المعركة وتكلفهم الكثير في الترقب والحذر واتخاذ الإجراءات الاحتياطية لمواجهة ما غير متوقع أو محتمل.
وإذا كان منشأ هذا الارتباك والجعجعة هو في الأصل فعل سياسي تمَّت مواجهته بفعل سياسي مضاد وادخل المنطقة في فوهة بركان يقذف حممه النارية بين فترة وأخرى، فليس أفضل من الاستعداد لتقليل الخسائر المحتملة والمتوقعة من جراء شظايا هذه الحمم إلا البحث وبشكل سريع وفوري عن فعل سياسي يبرد سخونة المناخ السياسي الملتهب في المنطقة، وهذا فعلاً ما قامت به دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع إيران من خلال دعوة الرئيس أحمدي نجاد لمؤتمر القمة الخليجي في الدوحة وما تم بعدها من لقاءات بين مسئولين في دول مجلس التعاون مع إيران سعيًا للوصول إلى تفاهم سياسي يردم فوهة هذا البركان، لولا أن لإيران حسابات مختلفة تعتمد على المقامرة والمغامرة، حتَّى ليتخيل المرء أنه أمام انتحاري ينتظر فقط تحشد الناس ليفجر نفسه بينهم، وهو ما يجعل دول الخليج العربي تجد نفسها أمام دولة جارة تتعنون بالإسلام ولكنها أبت إلا أن تكون بحجم عقل انتحاري كاره للحياة وحاقد على الإِنسانية، عقل ضيق مريض، يريد كل شيء أو القضاء على كلٍّ شيء.
ورب قائل يقول: إن العرب اخطأوا عندما أبوا أن يواجهوا الولايات المتحدة الأمريكية يوم عزمت غزو العراق، ولم يقفوا بشكل جدي مع الملك عبد الله بن عبدالعزيز يوم عانق السيد عزة إبراهيم في قمّة بيروت عام 2002م، وقد كان ذاك العناق لو التفت إليه العرب بشكل عميق ربَّما قادر على صنع موقف عربي متقدم قد يقدر على منع الغزو واحتلال العراق فيما بعد ومن ثمَّ تسليمه على طبق من ذهب لإيران، وهو ما حدث بالفعل بكلِّ أسف نتيجة العجز العربي عن فهم مغزى ذاك العناق وعمقه، واليوم ما عاد يفيد اللوم مثلما أن الساعة أبدًا لا تعود للوراء، وربما لهذا يقف العرب اليوم إزاء مجازر عصابة الأسد في سورية مع الشعب السوري وضد التدخل الأجنبي، معتبرين التدخل الغربي هو مثل التدخل الإيراني وأن تجربة العراق ماثلة للعيان ولا يمكن قبول تكرارها، وإن كان هذا يزيد من معاناة أخوتنا في سوريا العروبة إلا أن هذه المعاناة مهما بلغت هي أخف من احتلال صفوي يضم سوريا إلى العراق، وهو ما لا يقبله الشعب السوري الحر بالتأكيد مثلما لا يقبل العرب استمرار هذه المجازر الدموية وهذا الصلف الطاغي من قبل فصيل جاثم بكلِّ قبحه ودناءته على أمل الشعب السوري في التحرر والانعتاق.
واليوم يتبجح النظام الإيراني بأنه قادر على تدمير القواعد العسكرية في دول الخليج العربي ويدرس في برلمانه إغلاق مضيق (هرمز) وكأنه يملك من القوة ما يمكنه من فرض سياساته في المنطقة، لكن الواضح أن قضية العرب الحقيقية مع إيران انتقلت من العراق إلى الشام بعيدًا عن الخليج العربي، باعتبار أن ميدان الخليج العربي هو ميدان حرب انتحارية، ولن تقدم عليها القوى الغربية قبل تدمير الاقتصاد الإيراني وتقويض دفاعاته، كما حصل مع العراق في تسعينيات القرن الماضي وحتى فجر القرن الحالي، وبالتالي فإن جعجعة إيران أو صراخها في الخليج ليس إلا صراخ يائس قد ينتحر وهنا مكمن المشكلة، فلا أحد قادر على ضمان المنطقية في سلوك النظام الإيراني، وسقوط النظام السوري في دمشق يقطع خيوط الاتصال بالأداة الإيرانية في لبنان وينهي طموحات النظام الصفوي بالتمدد في المنطقة العربية ويعيد إيران إلى حجمها الطّبيعي الذي لا يتجاوز كونها إحدى دول المنطقة، لا أمن ولا استقرار لها إلا من خلال التناغم والانسجام مع جوارها، وهو ما يخالف رؤية أو (هلوسات) النظام الإيراني الحاكم في الهيمنة والسيطرة على المنطقة، والإحلال محل القوى العظمى -كما يتصور- لإدارة المنطقة، هذه الطموحات أو (الهلوسات) هي من قضى على النظم الفاشية في كثير من أنحاء العالم وهي التي ستقضي عاجلاً أو آجلاً على هراءات النظام الإيراني وإن بثمن باهظ للأسف ما منه بد، بيد أن أمن واستقرار وتقدم دول المنطقة يستحق هذه التضحيات التي يمكن احتواؤها، وإذن فلينتحر النظام الإيراني اليوم قبل الغد لتنتهي معاناة وعزلة شعب إيران العزيز.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni