يُعَدّ الأمير سلمان أيقونة بارزة في العهد السعودي الزاهر؛ حيث واكب مراحل التأسيس والوحدة والنمو والازدهار، وعاصر والده، واستقى منه مآثر كبيرة، تبدأ وتنتهي بالتقدير للشعب الذي تربى بين أحضانه، ووهبه اهتمامه، وبادله الشعب حباً بحب وتقديراً بمثله.

ساهم الأمير سلمان في كتابة تاريخ هذه الدولة، واهتم به كونه يُعَدّ أسفاراً يطويها الزمن، لكنه لا يهملها، ولا يتخلص منها بل تبقى شاهداً له أو عليه على مر الدهور.

لم يكن الأمير بعيداً عن هموم أمته، ولا بمنأى عن الأحداث المريرة التي مرت بها بلادنا، أو المصائب الشخصية التي جرفت فؤاده بفقده ابنَيْن في عز شبابهما، فظهر الرجل المؤمن الصلب الذي سلَّم بالقضاء والقدر، والتفت إلى ما ينتظره من دور في بناء صروح الأمة.

ولم يستند إلى كونه أميراً ابن ملك، تخدمه القلوب قبل الأجساد، بل نذر نفسه بكرم لخدمة مواطنيه؛ يقدِّر وقتهم، ويعتذر حين لا يتمكن، ويحسب لكل مواطن حسابه مهما ضعفت ظروفه الاقتصادية أو الفكرية. وحين يدخل الحرم معتمراً لا تُفسح له الأماكن بل يتضوع بين الحشود، ويتوقف المعتمرون للسلام عليه في المطاف؛ فيمنحهم وجهه ويسلّم عليهم ويكمل عمرته وينصرف راضياً مرضياً عليه منهم.

يجد به المثقفون والأدباء والكتّاب سنداً ومعيناً؛ فلا يرضى لهم بالاستصغار، ويحفظ مكانتهم بالتواصل معهم واللقاء بهم والسؤال عنهم، عدا تحسس أوضاعهم أو التعليق على ما تكتبه صحفهم؛ فيعدل من فكرة خاطئة، ويثني على أخرى صائبة، معتمداً على ذاكرة حادة، وتوقد ذهني يخدمه حين يستدعيه فيخذل المتربصين!

أحب الناس سلمان؛ لأنه فتح باب إمارته لكل صاحب حاجة، أما قلبه فليس له باب، فيجد كل مظلوم أو مهضوم حقه نفسَه في ردهاته حتى تُقضَى حاجته، وينصرف غانماً؛ فلم يحدث أن ولج أحد ذلك القلب ورجع بائساً، بل مملوءاً بالتفاؤل والأمل والحماية بعد الله، فعدا أنه يوفر العدالة، يحفظ الكرامة؛ فلا يشعر المرء حين يشكو بالمهانة، بل بالعزة والأنفة حتى صارت إمارة الرياض وسماً في رد الحقوق وتأديب المعتدين.

ولئن كانت جهوده سابقاً مختصة بأهل الرياض كونه حاكمها؛ فقد شاء الله أن تذكو شخصيته، وتفوح بأرجاء الوطن ولياً للعهد نائباً للملك وزيراً للدفاع؛ ليصل خيره إلى القاصي والداني، ويواصل مسيرته بحفظ العهد الذي بينه وبين مواطنيه، وليحقق تطلعات القيادة به حين اختارته لهذه المهمة الجسيمة تقديراً لفكره المعرفي حيث يزهو بها، وتتويجاً لوعيه القيادي وخبرته المديدة حيث تفخر به.

وسيبقى الأمير سلمان المغرم بتاريخ وطنه وجغرافيته محصِّناً سور بلادنا بالدفاع عنها، مقلِّما أظافر من يحاول العبث بها، مشجعاً للبناء والنماء، داعماً لكل منجز حضاري يسمو ببلادنا ويصعد بها في هامات المجد.. ومثله لا يرتضي غير المجد والعلياء لبلاده!