هذه بوادر أو بصمات في مجال التعليم العالي رأيت استحقاقها للتنويه والتعليق، كتقدير للقائمين عليها وتذكير للآخرين للالتفات إليها والاستفادة منها.

من الجنوب أبدأ بتجربة جامعة جازان في مجال التواصل مع مجتمعها والمساهمة الفاعلة في نشاطات المنطقة الثقافية والاجتماعية والحضارية. رغم قصر عمر الجامعة فقد تجاوزت جامعات سبقتها وأخرى عاصرتها في النمو. الأنشطة الثقافية والاجتماعية والعلمية اللا صفية تنعكس ليس فقط على صورة الجامعة وسط مجتمعها وفي الوسط الإعلامي والاجتماعي، بل على حياة الطلاب بذات الجامعة. أشد على يد معالي مدير جامعة جازان المبدع الدكتور محمد آل هيازع وأهمس في أذنه بأن بهجة وتميز حياة الطلاب بالجامعة لا تكتمل دون وجود إسكان طلابي جامعي يعيش فيه الطلاب حياة جامعية متكاملة تمتد من قاعة الدرس حتى السكن. افتتاح السكن الجامعي اللائق بالطلاب والطالبات أجدى علمياً واقتصادياً وإدارياً من افتتاح كليات بكل محافظة وحي...

ومن الشمال قرأت بأن أولى قرارات معالي مدير جامعة الجوف الدكتور إسماعيل البشري تمثلت في تحديد صلاحيات مسؤولي الجامعة من عمداء وغيرهم. رغم وجود نظام للتعليم العالي إلا أن كثيراً من جامعاتنا تختلط فيها الصلاحيات ويصبح مدير الجامعة هو الحاكم بأمره في كل صغيرة وكبيرة أو العكس تصبح (الطاسة ضايعة) كما يقال فلا تعرف من هو المسؤول عن القرار أهو رئيس القسم أم مدير الجامعة أم المدير الإداري... وكما همست لمدير جامعة جازان أهمس لمدير جامعة الجوف القائد صاحب الخبرة المحلية والإقليمية؛ هل تقدم لنا جامعته دليلاً وظيفياً متكاملاً يحدد الصلاحيات والوصف الوظيفي واللوائح ودليل الإجراءات التي توضح كل تفاصيل العمل بالجامعة كمنظومة إدارية اقتصادية حديثة (بالمعنى المباشر كأية شركة أعمال كبرى)؟ من منطلق أن لوائح التعليم العالي مجرد أنظمة عامة وغالبية جامعاتنا تسير وفق تلك الأنظمة لكنها تفتقد اللوائح التنفيذية وأدلة الإجراءات الداخلية المقننة والمفصلة.

ومن العاصمة نذكر بأن أحد أبرز إنجازات معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود السابق تمثلت في بناء الأوقاف الجامعية، وستبقى أبراجها بصمة لا تنسى لمعاليه كأحد أبرز قادة التعليم العالي ببلادنا إثارةً للجدل. الهمسة نجيرها لمعالي مدير جامعة الملك سعود الجديد، أستاذ الإدارة القدير الدكتور بدران العمر. الأوقاف بحاجة إلى نظام مالي ومحاسبي وإداري دقيق، قبل أن نكتشف ثغرات تفقدنا الثقة في هذا المشروع العظيم.

أما في المركز فسيكون مثالي وكالة وزارة التعليم العالي للتخطيط، نظير التقدم الذي تحرزه في التعاملات الإلكترونية للوزارة والمستفيدين من خدماتها وتوفير إحصائيات التعليم العالي للمستفيدين والباحثين ونشر مؤشرات التعليم العالي. والأجمل بالنسبة لي إصدارها المميز، الذي أحرص على قراءته «الراصد الدولي». الراصد يقدم لنا خلاصات عن إصدارات ومؤتمرات التعليم العالي بمختلف دول العالم. والهمسة هنا للمتميز سعادة الدكتور عبدالقادر الفنتوخ وكيل وزارة التعليم العالي بأن يشمل الراصد جزءاً من نشاط وحراك التعليم العالي داخل بلادنا، كالإصدارات والدراسات والمقالات واللقاءات العلمية. أعلم أنه تم إصدار باللغة الإنجليزية كمحاولة تقديم صورة عن التعليم العالي المحلي لغير الناطقين باللغة العربية، وقد وجدت عدده الأول يحتاج مزيداً من الجهد، ليس فقط في جانب الصياغة واللغة، بل في تحديد الأهداف والمكونات له حتى يكون بقوة الراصد الدولي لا أن يتحول إلى مجرد نشرة تعريفية بأقسام وزارة التعليم العالي.