عندما نشاهد هذه الجموع الغفيرة من المواطنين يتوافدون على قصر الحكم بالرياض لمبايعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله وسدد خطاه ووفقه وأعانه على هذه المسئولية والأمانة العظيمة على ولاية العهد وفي مثل هذا اليوم العظيم التاريخي لعام 1352هـ أراد أهل هذه المملكة أن يخطوا خطوة ثابتة في سبيل السلام والأمن وتثبيت قواعد الحكم الذي ارتضوه فاجتمعوا وفكروا فيمن يخلف جلالة الملك عبدالعزيز بعد موته وبحثوا في الأمر بحثاً بعيداً عن الأهواء والأغراض لئلا يكون ثمة مجال للعبث والفساد فرأوا أن سعود بن عبدالعزيز متصف بالأوصاف الشريفة التي يجب أن تكون فيمن يبايع بولاية العهد، بل ثبت عدالته ومؤهلاته ثبوتاً شرعياً فهو أحرى أن يبايع بالولاية العهد، فأسرع مجلس الوكلاء ورئاسة القضاء والمحاكم ومجلس الشورى إلى رفع برقية لجلالة الملك أقروا فيها مبايعة الأمير سعود بولاية العهد فبعث إليهم الأمير سعود برقية يقول فيها أن أشكر لشعب المملكة العربية السعودية اجتماع كلمته على مبايعتي بولاية العهد، وأنى أعاهد الله على أني سأقوم بما أوجبه عليّ من العمل والنصح لهم ولولايتهم ظاهراً وباطناً، وأقيمت الحفلات في جميع المدن والقرى والبوادي إعلاناً للبيعة وأبرقوا برقيات بذلك إلى جلالة الملك المعظم وولي عهده وابتهجت البلاد لهذا الحادث السعيد المبارك الذي ضمن لأبناء المملكة الأمن والهدوء والسلام في الحاضر والمستقبل، وعلى أثر ذلك أبرق الملك عبدالعزيز إلى ولي العهد برقية رقم 275 بتاريخ 18 محرم من عام 1352هـ فيها ما نصه حرفياً:
(تفهم أننا نحن والناس جميعاً ما نعز أحداً ولا نذل أحداً، وإنما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى ومن التجا إليه نجا، ومن اغتر بغيره عياذاً بالله وقع وهلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس، ينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور:
أولاً: نية صالحة وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون ديدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتفرغ بين يديه في أوقات فراغك تعبداً إلى الله في الرخاء تجده وفي الشد، وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر وصدقت في العزيمة ولا يصلح مع الله سبحانه وتعالى إلا الصدق والعمل الخفي الذي بين المرء وربه.
ثانياً: عليك أن تجد وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل في المحب والمبغض، وأن تحكم بالشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً وينبغي أن لا تأخذك في الله لومه لائم.
ثالثاً: عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة، وفي أمر أسراك خاصة اجعل كبيرهم والداً ومتوسطهم أخاً وصغيرهم ولداً وهن نفسك لرضاهم، وأن تمحو زلتهم وأقل عثرتهم وانصح لهم واقض لوازمهم بقدر إمكانك فإذا فهمت وصيتي هذه ولازمت الصدق والإخلاص في العمل فأبشر بالخير. أوصيك بعلماء المسلمين خيراً احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتهم واحرص على تعليم العلم لأن الناس ليسوا بشيء الا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة، احفظ الله يحفظك.
فأجابه ولى العهد بأنه سيقوم بما أوصاه به وأنه سيعمل بالجد والاجتهاد بالعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعاهده فيها على اعتماد نصائحه الدينية والدنيوية والعمل بمكارم الأخلاق والسعي بين الغرب والمسلمين في طريق الخير والفلاح والعدل في أحكامه والبر بالعلماء وحفظ العهد والنظر في مصالح المسلمين.
غفر الله للملك عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته، ووفق الله أبناءه من بعده
متعب بن صالح بن عبدالله الفرزان - العمارية
المراجع: - تاريخ ملوك آل سعود. - شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز.