حينما كان النظام السابق يمنح المعلم الذي يتقاعد قبل 31 سنة من الخدمة ألفي ريال عن كل سنة، مقابل ثلاثة آلاف ريال لمن يعمل أكثر من 31 سنة، كان يهدف إلى تشجيع المعلم للبقاء في الخدمة أطول مدة ممكنة، نظراً لحاجة التعليم آنذاك إلى الكوادر التعليمية المتوفرة، ولعدم وفرة المعلمين في كثير من التخصصات، أما الآن فنجد أن معدل بطالة الشباب من الجامعيين عالية بسبب تمسك هؤلاء بتلابيب الوظيفة حتى بلوغ الستين عاماً، أي التقاعد عند السن النظامي، دون المبادرة بمنح الفرصة لهؤلاء الشباب الذين ينتظرون فرصة العمل على أحر من الجمر.
أما أن توافق وزارة الخدمة المدنية على مقترح وزارة التربية والتعليم وتعتمده، وهو صرف أربعة رواتب كمكافأة نهاية خدمة لأي معلم يتقاعد في أي وقت، إنما هو وقف التمييز القديم بين من يكمل السن النظامي وبين من يتقاعد مبكراً، بل إنني تمنيت أن يُمنح من يتقاعد مبكراً ثمانية رواتب أو أكثر تحفيزاً له، خاصة ممن تجمدت مهاراتهم منذ ثلاثين عاماً، وهم يكررون المعلومات التي حفظوها كما لو كانوا ببغاوات، بل إن معظمهم وصل به السأم والملل مبلغه، وهو يؤدي الدور ذاته أمام طلاب متغيرين ومتجددين، فمن غير المعقول أن يشرح المعلم المادة ذاتها، وبالطريقة والأدوات ذاتها، التي استخدمها لجيل قبل عشرين عاماً، لجيل الإنترنت والهواتف الذكية، خاصة أن معظم هؤلاء المعلمين لم يعترفوا بعد بالتقنية أو بالجيل الجديد من الهواتف الذكية، ولا يعرفون أصلاً استخدامها ولا قدراتها الرائعة، وتعرفهم في أي مكان من رنين هواتفهم المحمولة أو رنين الرسائل فيها، إذ يحمل أفضلهم أجهزة نوكيا التي تقتصر خدماتها على الاتصال والرسائل القصيرة!.
أعرف أنني سأحظى بغضب المعلمين، لكنهم لو فكروا بأن أولادهم، وأولاد أقاربهم، ينتظرون بحسرة فرص التوظيف في قوائم جدارة، لبادر معظمهم إلى التقاعد المبكر، حتى من غير حوافز أو إغراءات، وذلك بهدف ترك المكان لآخرين من فئة الشباب الطموحين.
عوداً على بدء، أعتقد أن قرار الوزارة لم يكن موفقاً، لأنه لم يحفز من قضى في الوظيفة التعليمية 25 عاماً على التقاعد المبكر، سواء من المعلمين أو المعلمات، حتى لو بصرف شيك ذهبي لهم، تغطي رواتب خمس سنوات قادمة مثلاً، لأن لذلك القرار فوائد من جوانب عدة، منها المساهمة في تطوير التعليم وضخ دماء شابة، وكذلك خفض معدل البطالة في البلد، خاصة معدل بطالة النساء المخيف، وكذلك منح من يتقاعد مبكراً فرصة التفرغ لحياته الخاصة، أو ممارسة أي نشاطات حياتية أخرى.
كم أتمنى أن تصدر وزارة الخدمة المدنية جدولاً يوضح نسب كافة أعمار المتقاعدين في المملكة، سواء في الوظائف التعليمية أو المدنية، كي نكتشف أن نسبة المتقاعدين مبكراً هي نسبة ضئيلة، الأمر الذي يساهم في رفع معدلات البطالة من جهة، ويقلل من كفاءة المخرجات التعليمية أو الوظيفية المدنية، لأن الإنسان بطبعه يتضاءل منجزه ونشاطه بعد سن الخمسين. مما يعني أنه لابد من التفكير جدياً في تشجيع المعلمين والموظفين المدنيين على التقاعد المبكر، ومنح كافة المزايا التي تساعدهم على المبادرة في اتخاذ قرار التقاعد المبكر.