هذا كان موضوع ورشة عمل افتتحها معالي أمين منطقة الرياض المهندس عبدالله المقبل يوم الثلاثاء 16 ذي القعدة 1433هـ.
ناقشت الورشة برنامج الأنسنة بمدينة الرياض من خلال بحث المشاريع والخدمات التي أنجزت والتي تحت.....
.....التنفيذ والتي تم التخطيط لها في سبيل تعزيز البعد الإنساني الذي يجعل من الرياض مدينة إنسانية صديقة للجميع من حيث كونها مدينة صحية ونظيفة وجميلة ومريحة، وتعنى بتوفير الجوانب الإنسانية التي تكمل توافر المتطلبات الرئيسية لحياة المواطن كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وغيرها - وفقاً لما ورد في تقرير صحيفة الجزيرة المنشور في اليوم التالي لافتتاح الورشة.
من البديهي أن المتطلبات الرئيسية لحياة المواطن هي أيضاً متطلبات إنسانية. لكن المقصود هو أنسنة المدينة نفسها - باعتبارها كائناً اجتماعياً حياً مكتمل النمو يستجيب لحاجات البشر الذين يعيشون في حضنه. وكما أن الإنسان لا يكون كائناً حياً مكتملاً بقوامه وقلبه وعقله وأحشائه فحسب، بل لا بد له من مشاعر وعواطف وأحاسيس تجعله ينفعل بما يحيط به فيشعر بوجوده ويستمتع بحياته، فكذلك المدينة لا تتكون فقط من الجوانب المادية من هياكل اسمنتية ونظم تقنية ووسائل نقل ومبانٍ ومتاجر وشوارع ومرافق، ومعيار المعيشة فيها ما يعطى أو يؤخذ من خدمة أو بضاعة، بل لا بد لها لتكون كائناً اجتماعياً حياً من الاشتمال على الجانب الوجداني الرقيق الحاني الذي تحيط به ساكنيها فيدفعهم إلى الشعور بالراحة والانشراح وتذوق المظاهر الجمالية والاستمتاع بالوقت والترفيه عن متاعب الحياة اليومية ورتابتها، وهذه كلها تحمل معنى أنسنة المدينة، ونحن أيضاً نستخدم لفظة (الإنسانية) في لغتنا اليومية بمعنى مراعاة المشاعر والرأفة.
وفي السياق نفسه لا بد أن نذكر أن برنامج أنسنة الرياض داعم قوي للمشروع الكبير الذي اعتمده سمو أمير منطقة الرياض بنقل بعض المنشآت الصناعية (مثل مصنع الأسمنت) ومحطة الصرف الرئيسية إلى أماكن بعيدة عن الأحياء السكنية لحماية السكان من التلوث البيئي والإزعاج، وكذلك فإنه لا حاجة للتأكيد بأن هذا الجانب من نشاط الأمانة ليس ترفاً جمالياً أو كمالياً، وإنما هو أمر حيوي لا غنى عنه، بل هو حق من حقوق الناس. فالحياة في المدن الكبرى المكتظة بالسكان تنهشها الضغوط من كل جانب: الازدحام في أماكن الخدمات المركزية مع تكرار المراجعات وتباعد المسافات وازدحام الأسواق وازدحام الشوارع بالسيارات المارة والواقفة مع طول الانتظار وضياع الوقت، وشح أماكن الترفيه الاجتماعي للشباب والعائلات، وضغوط العمل والدراسة، ومتطلبات الحياة الأسرية، والمتاعب الصحية. كل ذلك يتطلب إيجاد ما ينفس الضغوط ويشرح الصدور ويجدد الطاقات. والأمانة سعت وتسعى بشكل لا يمكن تجاهله لاستكمال هذا الجانب الإنساني في حياة المدينة، وخططها في هذا الصدد جديرة بالتنويه. ولا يتبقى لنا إلا أن نستحثها لسرعة إنجاز وانتظام ما هي ساعية فيه.
لكن ذلك وحده لا يعنى أن الجانب الإنساني قد استكمل. إذ لا يكفى أن يشعر المرء بالانشراح في أماكن وضعت بقصد الراحة والاستمتاع بشيء من وقت الفراغ - لاسيما إذا كانت محدودة في عددها وتوزيعها. ولأن معالي أمين مدينة الرياض قادم من جهة كان فيها قائداً ناجحاً في معركة إنجاز عشرات الآلاف من الكيلومترات من الطرق والجسور والأنفاق في طول البلاد وعرضها فلن يعجزه استكمال برنامج الأنسنة لمدينة لا يتعدى أي من طولها أو عرضها خمسين كيلومتراً. ذلك أن هناك أموراً جوهرية تصرخ طالبة الالتفات إليها لكي تبقى الرياض كائناً حياً مكتمل النمو غير مصاب بتشوهات. وهي أمور منها ما هو داخل في اختصاص الأمانة، ومنها ما ينبغى للأمانة أن تطلب من جهات الاختصاص إنجازه، وهذا بعضها:
- مراقبة التزام مقاولي الإنشاءات بمدد التنفيذ المحددة في عقودهم وعدم إعطائهم الذرائع في التباطؤ والمماطلة بحجة تأخر مشرف الجهة صاحبة المشروع في معاينة المنجز من المشروع وإقراره، أو لأن المقاول يعمل في أكثر من موقع ويجرجر عمالته بين هنا وهناك، أو لتأخير مستحقات المقاول...الخ. إن بقاء الأعمال الإنشائية - المنفذة في الشوارع خاصة- أطول من مدتها المقررة يتجاهل ما تسببه من تشويه للمكان وإزعاج للسكان وتضييق على حركة المرور.
- تسوية وتعديل أرصفة المشاة، لكي تعود إلى ما وضعت له أصلاً - أي أن يسير عليها المشاة والمستخدمون لعربات الأطفال وللكراسي المتحركة، دون عائق من حافة رصيف أو حفرة أو درج أو حوض نبات أو بضاعة أو درفة باب زجاجي مفتوحة إلى الخارج. منظر الكثير من الأرصفة محزن وكريه، ولا يهتم بهذه الحال أحد لأن السيارة تقف أمام المكان المقصود ويتجه إليه الراكب مباشرة، فهو لا يحتاج إلى رصيف يمشي عليه. الأرصفة - بوضعها الراهن ليست صديقة للجميع. وفي القادم من الأعوام - عندما تنفذ مشاريع النقل العام- سوف تكون الحاجة إلى أرصفة (إنسانية) صديقة للغادي والرائح من المارة أشد إلحاحاً، فإن القطار أو الحافلة لا تقف مقابل كل موقع نقصده. إن بإمكان الأمانة أن تفرض على أصحاب المحلات والمباني الواقعة على الشوارع العامة أن يسووا أرصفتهم وفق مواصفات الأمانة. لا بد من الإضافة هنا أن تحسين الأرصفة يتطلب تحسين ما حولها. فلا مسوغ مطلقاً للسكوت على طفح المجاري ووضع صناديق القمامة الكبيرة في أماكن غير ملائمة.
- زخم الوعي بأزمة الإسكان وأسبابها وحلولها ومعاناة الباحثين عن السكن يجب أن لا تصرفنا عن الجانب الاجتماعي والجمالي المتصل بقضية الإسكان، وهي بلا شك قضية إنسانية من أساسها إلى رأسها - كما يقال. الأراضي البيضاء المنتشرة في العديد من أحياء الرياض، وكذلك الأحياء السكنية المتروكة المهملة في وسط المدينة، كل ذلك يشكل بقع تشويه لجمال مدينة الرياض وحيويتها ويخلخل تواصلها السكاني والعمراني ويمثل إهداراً لمساحات شاسعة من الأرض يمكن أن يقطنها الآلاف من السكان. الأمانة - بالتأكيد ليست المسؤولة عن مشكلة الإسكان ولكنها ألزمت نفسها بجعل المدينة صديقة للجميع، لذلك يترقب الجميع أن تتعاضد جهود كل من وزارة الإسكان والقطاع العقاري الأهلي وأمانة مدينة الرياض من أجل تعمير الأراضي الفارغة والمناطق السكنية القديمة المهملة من خلال إنشاء أحياء سكنية يغلب عليها نمط العمائر المتعددة الأدوار بما لا يزيد عن أربعة أدوار وذات شقق مريحة، وتكون العمائر متجاورة ومتقابلة تسمح بنشوء حياة اجتماعية تتوافر لها بعض المساحات الخضراء وبعض المرافق والخدمات المشتركة. إن مثل هذه (الواحات) السكنية تتميز بأنها تستوعب عدداً كبيراً من السكان على مساحة محدودة من الأرض، وذلك يجعل الخدمات والبناء أكثر جدوى وأوفر في التكلفة وأعمق في البعد الإنساني من أحياء تنتثر فيها الفلل ويقل فيها السكان وتضيع فيها قيمة الجوار. ولكن ليس من الجائز تكرار تجربة عمائر الإسكان المتراصة التي أنشئت قبل ثلاثين سنة بارتفاعها الشاهق (8-10) أدوار وكثافتها السكانية العالية، فهذه لا توجد مجتمع جوار وتآلف بل مجرد كتلة سكانية.
- الوضع المروري في هذه المدينة المكتظة بالسكان والسيارات لا يجعل أهلها يشعرون بأن المدينة صديقة لهم - وقد أشرت من قبل إلى التضييق على حركة المرور بسبب تحويلات أعمال الإنشاء. والأمانة ليست هي المختصة بالمرور، لكن بإمكانها المساهمة بفعالية في تحسين الوضع بجهود مشتركة مع المرور. ولا أعني هنا النقل العام، فهذا يتكفل به المشروع الذي اعتمده سمو أمير الرياض. إنما أعني جوانب أقل حجماً لكنها كثيرة الإزعاج. وأقتصر على ذكر جانبين. مدينة الرياض تفتقر إلى مواقف السيارات متعددة الأدوار. وهل -غير هذه المواقف- من حل لمشكلة انسداد الطرق بالسيارات الواقفة في أماكن مزدحمة - مثل الشريط التجاري - أو لانسداد الطرق بسبب تراص السيارات الواقفة أمام محلات ومرافق الخدمات العامة كما نشاهد ذلك أمام الجوازات والمطاعم الواقعة على طريق الملك عبدالله. أما إشارات المرور فإنها في بعض التقاطعات تومض للسيارات فقط، أما المشاة الراغبون في عبور الشارع فلا عين ترف لهم. ويزيد من صعوبة الأمر خلو الشوارع السريعة العريضة من جسور المشاة. الشعور بالأمان مطلب إنساني!
هذا غيض من فيض الخاطر. لم أكثر ولم آت بجديد، فالكثيرون كتبوا مثل هذه الخواطر لثقتهم بقدرات الأمانة على التمام. فلقد أبلت الأمانة بلاء حسناً في العناية بجمال مدينة الرياض وجعلها حسناء الوجه، ولكننا نريد أن نستمتع برؤية المزيد.