طلبت في إحدى السنوات من التلميذات تدوين موقف أو مواقف جميلة يذكرونها لأشخاص مَرُّوا بهن خلال أعوام الدراسة.. فاحتارت الأقلام ما بين سير ووقف وسؤال فانطلاق.. وكان الهدف تبادل الذكريات الحلوة والذكر الطيب وكان كذلك، إلا أنني توقفت على واحدة منها وقد كتبت اسمًا ليس بغريب علي فسألتها فإذا هي من قريباتي قد كانت معلمتها في مرحلة سابقة فحييت المعروف الذي لم ينس وأكبرته وعجبت من الصدفة ولكن العجيب الذي نقلني إلى الأسف البعيد في ذات الأمر الموقف الذي كتبت الطالبة أنه أثر بها! وهو «أنها كانت أول معلمة تبتسم لي».

عجيب من الواقع!

نرى ونسمع عن.. ونتعايش مع.. ويحكى لنا.. وقوف زمرة ليست بالقليلة من معلمي الأجيال أمام التلاميذ وقفة الحاكم للعبيد أو السجان للسجين حيث تشبَّع العقول بالأوامر والنواهي بلا مستحبات بل حتَّى الأعطيات يسبقها ويليها المنّ أو تقليل الحق، تدك النُّفوس الصَّغيرة بالقهر والزجر وتسقى بالكراهيَّة والظُّلم فتشيخ شحيحة المبادئ متدنيَّة القيم وتعيش فتوة ثائرة يستعجب منها!

وإذا المعلم لم يكن عَدلاً مشى

روح العدالة في الشبابِ ضَئيلا

وإذا المعلم ساء لحظَ بصيرةٍ

جاءتْ على يدهِ البصائر حُولا

وإني لو أخذت أسرد المواقف العجيبة لبكينا ونحن نضحك من سطحيَّة العقول وغياب الوسيلة السَّلِيمَة فتلك وعدتهم بالمكافأة في نهاية العام وإذا بها تقدم هدية مستعملة بالية وغاب عنها أن الصَّغيرة دقيقة الملاحظة تتشوق للجديد! وأخرى لأنَّهم كبار! تجعلهم وقوفًا يرددون النشيد الوطني لِكُلِّ من يعبر أمامهم بغرض العقوبة!

ولا أشكَّ أن لدى الطلبة الذكور شيئًا من الأدهى والأمر!

الجانب المشرق

إن المحروم من يمضي عمره في المدارس دون أن يتطلَّع لاكتساب المعرفة ويكتفي بإلقائها في جمود وكيلا يكون ذلك إليك بعض الومضات الصَّغيرة الفعَّالة التي حتمًا يسير عليها الجانب المشرق من الأفذاذ:

1- الإخلاص والدُّعاء وتجديد النيَّة كل صباح أولى مفاتيح العطاء المثمر والتوفيق المسدد..احتسب.

2- الإطلاع، ثمَّ الإطلاع، ثمَّ الاطِّلاع على الخصائص النفسيَّة لِكُلِّ مرحلة يعين في كيفيَّة التَّعامل معهم ويمكّن من احتوائهم والبلوغ لإفهامهم وكسب قلوبهم وقيادتهم لما فيه الخير..اقرأ.

3- الاعتقاد التام بأنك لم توضع في هذا المكان مهما كان الكلام عنه بالسوء! لتُسْتَنسخ ممن هم فيه أو سابقيك بل لديك قدرة ورأي وطرق ورغبة في إحداث فارق.. توكل.

4- الاحترام.. احترام الرأي، احترام السؤال، احترام ما يصدر من هذا الإنسان أيًا كان عمره يجعله يبادلك احترامًا مضاعفًا حتَّى يخجل من فعل ضئيل القبيح أمامك بل وخلفك.. قدر.

5- التعريف بذاتك بما ترغب به وما مطلوب وما هي الحدود بأبسط مفهوم... والأجمل عقد اتفاقية إخوة بينك والتلاميذ..تواضع.

6- التقبل والتغاضي هما عتادك يصعدانك نحو الراحة والاعتلاء بذاتك وطلابك.. اتَّسع.

7-ربط المادَّة بالواقع وإثرائها وتنويع الوسائل وإن كانت بأبسط المواد إلا أن فيها جانبًا من المرح يذكي الحماس ويرفع من الاستيعاب وييسر المحتوى.. ابدع.

ما لا يمحى

خلاصة علم وجودة تقديم واحتواء ذا حنو ودعوة غامرة ونصائح خفيَّة وباسمة وعلامات على الطريق القويم ما بين هذا وذاك هو العلم النافع الباقي الذي يحتاجه طلاب العلم ولا يمحى بل يكتنز لك في الأخرى.

تذكرة

«انثر الابتسامات يمينًا وشمالاً على طول الطريق.. يومًا ما لن تعود للسير فيه ثانية».

هدى بنت ناصر الفريح