ما معنى أن تشرق الشمس في لحظة محددة وتغرب في لحظة محددة في بقعة معينة من الأرض لتشرق في لحظة محددة على بقعة مختلفة من بقاع الأرض وفي أبعد ما يكون عن التصورالإنساني؟!! بالمقابل ما معنى أن تجلس على طاولة وحدك واضعاً يديك على خديك... أو تعبث بمفتاح سيارتك منتظراً شخصاً بينك وبينه موعد محدد هو الساعة العاشرة صباحاً تماماً وتأخركثيراً عن الموعد أو لم يأتِ نهائياً وبالتالي لم يكلف نفسه اقتطاع ثانية من وقته ليتصل ويعتذر؟! ربما يندهش القارئ الكريم ويتساءل..
..... وما العلاقة التي تربط بين هذين السؤالين ببعضهما؟!! لكن وكما يقال [المعنى في بطن الشاعر أو القائل] ما قصدته هو القيمة الضائعة من مساحة الزمن الفاصلة بين الشروق والغروب ومدى وفاء والتزام الشمس لموعد شروقها وغروبها المحدد لها لكل طرف من أطراف هذا الكون الشاسع... الوقت ولا شيء عدا الوقت هو القيمة الضائعة من حياتنا.
لعلي لا أكون مخطئة إنْ قلت: واقعنا يشهد علينا بأننا أكثر شعوب الأرض حرصاً على شراء واقتناء أفخر ماركات الساعات وأغلاها سعراً بل إن الغالبية العظمى منا لا تكتفي بواحدة.. تتفاخر بتعدد وتنوع الساعات من حيث الاسم والشكل والحجم! ونحن أكثر شعوب الأرض أيضاً اهتماماً بتعليق الساعات على جدران غرف منازلنا حتى مكاتبنا لا تخلو من ساعات تبهر كل من ينظر إلى شكلها لا إلى عقاربها.. ومع ذلك فنحن أكثر شعوب الأرض تساؤلاً بين الفينة والأخرى [كم الساعة الآن؟] سؤال يُطرح علينا أو نطرحه على الآخرين في مختلف الأوقات والمواقف...!! فهل كل ذلك حرص منا على الوقت ودقة المواعيد؟ فما أثمن ساعاتنا وأرخص أوقاتنا!! لأننا أكثر شعوب الأرض تهاوناً في الالتزام بالمواعيد واحترام الوقت.. وأكثر شعوب الأرض تفنناً وإبداعاً في خلق الحجج والأعذار المنمقة نستعين بها لتبرير عدم التزامنا بالمواعيد المحددة بيننا وبين الأطراف الأخرى سواء على مستوى علاقتنا الاجتماعية أو على مستوى حياتنا العملية والعلمية... أعذار مكررة بعدد تكرار مرات التأخر أو عدم التقيد بالمواعيد المحددة أو حتى عدم الحضور وتقديم اعتذار وهكذا.. لتظل قيمة الوقت تائهة بين [الساعة غيرمضبوطة.. زحمة الطريق.. السيارة تعطلت.. راحت علي نومة.. نسيت الموعد.. الخ...].
فإذا كان الوقت هو أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان... وإذا كان للوقت قيمة حضارية لا تقدر بثمن.. واحترامه والالتزام به مبدأ ضروري في حياتنا لأنه الظرف الزمني الذي نؤدي فيه أنشطتنا وننجز فيه أعمالنا ونتواصل فيه مع الآخرين... وإذا كانت اللافتات التي تملأ جدران جميع القطاعات العامة والخاصة وتشير [الرجاء الالتزام بالموعد المحدد]!! فإننا وللأسف الشديد أسقطنا معيار الزمن من حياتنا وبتنا بعيدين كل البعد عن كل المبادئ والشعارات التي تنبهنا إلى قيمة الوقت وأهمية احترام المواعيد التي لم نعد نكترث لها أو نلقي لها بالاً.
فإذا كانت الساعات التي تزين معاصم أيدينا مهما كانت قيمتها أو شكلها أو حتى نوع ماركتها هي أداة ومؤشر لمعرفة وقياس وتحديد الوقت.. إذن لابد أن يكون الالتزام بالمواعيد واحترام أوقات الآخرين مؤشراً على مدى وعينا الحقيقي بقيمة الوقت فما يمضي منه لا يعود ولا يعوض.
اللافت للنظر أن المجتمعات العربية بصفة عامة.. هي من أكثرالشعوب إهمالاً وتفديراً للوقت وأصبحت مثار تندر وسخرية عند الشعوب الغربية ويقال لمن يتأخر ولو لدقيقة واحدة ولظرف طارئ عن موعد محدد مسبقاً [مواعيد عربية] كناية عن التأخير وعدم الالتزام بالموعد المحدد... الغرب يحافظ على الوقت ويحرص عليه... ونحن لا نحترم الوقت نضيعه بل نقتله، الغربيون لا يهتمون كثيراً بنوع الساعة أو شكلها... لكنهم يحترمون ثوانيها ودقائقها ودقة حركة عقاربها... أما نحن فمحور اهتمامنا ومكمن وجاهتنا... هو ماركة وشكل وسعر الساعة حتى ولو كانت عقارب الساعة غير منضبطة أو حتى متوقفة عن الحركة... الغرب يلبسون الساعة في معاصمهم لكي ينظروا إليها بعيونهم.. أما نحن فنزين معاصمنا بالساعات لتنظر إليها عيون الآخرين... فمتى توقظنا دقات الساعة ونصحو من سبات الزمن الضائع.
zakia-hj1@hotmail.com