لكل شعوب الأرض عاداتها، ولغاتها، ولهجاتها ومهما يكن فإن ذلك إرث إنساني، يتلاقح مع بعضه، ليضيف للإنسان ثقافة إلى ثقافته القائمة، ولا ريب أن ثقافة الصدق، والإنتاج، والعمل الدؤوب، وحب الخير، والإخلاص، وغيرها من مكارم الأخلاق، هي التي توصل الشعوب إلى التقدم المنشود، كما أنها تحفظ لها كرامتها وعزتها، بعيداً عن الاعتماد على الغير في المأكل والمشرب والملبس، والمأوى صنوف الترفيه والتسلية.
إن عقول البشرية تكاد تكون متساوية فيما بينها، لكن الثقافات تختلف، ومن ذلك الاختلاف يكون مستوى التكافؤ في العطاء والإنتاج. وحتى نكون أكثر واقعية، فثقافة الشعر والنثر والأدب بمجمله ومحسناته البديعية تزيد الإنسان استمتاعاً، وتضفي عليه مزيداً من الرونق والبهاء الحسي، والمتعة النفسية، لكنها لن توفر له المأكل والمشرب والمركب واللباس والدواء، وهكذا فالاختلاف بين الاثنين واضح، ومع هذا فيمكن لشعب بعينه أن يجمع بين ثقافة الاستمتاع وثقافة الإنتاج، غير أن المحزن حقاً أن ينفرد شعب بثقافة الاستمتاع ويترك وراءه ثقافة الإنتاج.
ولندع ذلك الحديث جانبا وننقل القارئ الكريم إلى حديث دار بيني وبين أحد الإخوة من منطقة الصحراء المغربية الكائنة في جنوب المملكة المغربية الشقيقة، وقد تفوه ببعض المفردات التي تكاد تماثل تلك الكائنة في قلب المملكة العربية السعودية لاسيما بين أبناء البادية، حتى لا تكاد تفرق بين اللهجتين.
فقد كان يتحدث عن الإبل بلفظ لكلمات مثل المراح، والعقال، والحوار، والغنم والماعز، وعندما يتحدث فإنه يقول قط أنك تأتي أو قط أنك فهمت، فتذكرت هذا اللفظ الجميل السائد في منطقة سدير بالمملكة العربية السعودية.
أخذ صاحبنا في الحديث فذكر أن من عاداتهم أنهم لا يقدمون لحم الدجاج للضيف لأن ذلك يعتبر تقليلا من شأنه، كما أن لحم البقر غير موجود لندرة البقر في البادية وإن كان موجوداً فمن غير اللائق تقديمه، ولهذا فإنهم يقتصرون على لحم الإبل والضأن والغنم مع شيء من الدهن البري والخبز ويأكلون بأيديهم حتى أن الدسم يسيل بين أصابع الضيف للدلالة على الإكرام، ويستحسن أن يكون سنام الجمل موجوداً ويقال له الذروة. أما الخضار والفواكه فليس له مكان في المائدة، وهذا مماثل لما هو سائد في بعض مناطق المملكة.
ونطق بألفاظ مثل ينعت أي يصف، وفي الدارجة يوري، كما هي سائدة في المملكة العربية السعودية، كما قال وسوف يوعيه لصلاة الفجر، أي يوقظه لصلاة الفجر، ومن عاداتهم أن المرأة لا تسلم على والد زوجها وعمه إذا كان كبيرا في السن إلا وهي مغطية وجهها، كما أنها لا تجلس في مجلس فيه والده أو عمه فهي تسلم وتخرج، أما إذا كان زوجها غير موجود فيمكنها ذلك.
والأزواج لا يذكرون أسماء زوجاتهم عند الرجال، والزوج لا يأكل مع والدة زوجته، وفي كل عيد يحضر الزوج لوالدة زوجته هدية تسمى (الواجب)، ومن العادات أن أم الزوجة بعد زواجها لا تحضر الفطور مع ابنتها وزوجها اللذين غالباً ما يفطران على عصيدة مع عسل.
ومن غرائب العادات التي لم تعد موجودة أن السيدة تبقى في منزل أهلها عاما كاملا وتحمل وبعد ذلك تذهب مع طفلها إلى بيت زوجها.
هذه نبذة مختصرة على عجالة عن جزء يسير من تلك العادات السائدة أو تلك التي كانت سائدة في ذلك الجزء من المغرب الشقيق، والتي تستخلص منها ذلك التواصل الاجتماعي والثقافي الذي كان وما زال وسيظل يربط الشعبين الشقيقين في المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، واللتين تنعمان والحمد لله بالأمن والاستقرار والتنمية المطردة في عالم تعصف به عواصف التغيرات المتسارعة.