|
مكة المكرمة - «الجزيرة»:
التوعية الدينية بأحكام الحج، وأركانه، وواجباته، وسننه ومستحباته من المتطلبات الواجبة على ضيوف الرحمن أن يكونوا على علم بها، وتطبيقها، بل والالتزام بها عند أداء هذه العبادة العظيمة حتى يعودوا كما ولدتهم أمهاتهم، قال عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه، وفي رواية للترمذي: (غفر له ما تقدم من ذنبه)، إلا أننا نرى كثيراً من الحجاج يقعون في مخالفات شرعية قولية وفعليه من جدال وسب وغيبة ونميمة، بل ربما وقعوا في أمور هي من البدع، والشرك، وغيرها من السلوكيات التي تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج. عدد من أصحاب الفضيلة العاملين في التوعية الإسلامية بالحج سلطوا الضوء على بعض من المخالفات، وأسباب انتشارها.
بين الغلو والتفريط
يقول الشيخ عبد الرحمن بن علي العسكر عضو التوعية الإسلامية في الحج المستشار بوكالة المساجد والدعوة والإرشاد: إن الحج فريضة من فرائض الإسلام الخمسة التي أوجبها الله على عباده، وجميع أركان الإسلام مبنية على إخلاص العبادة لله وحده، لذلك فإن أي عبادة يمازجها قصد لغير الله فإنها غير مقبولة، كما أن إدخال شيء من الأعمال من غير ما أمر الله به أو أمر به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإن هذا العمل غير مقبول، ولذلك فإن من أبرز المخالفات في جميع العبادات منطلق من هذين الأصلين، ومن صور ذلك في الحج ما يلي: أن يقصد الحاج في حجه بعض المواضع والأحجار والجبال لغرض التبرك بها وقصد الدعاء عندها ما لم يرد به نص من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا فيه خلل في الأصل الأولي وهو تحقيق التوحيد لله سبحانه في الحج، ومنها: أن يدعو الحاج غير الله من الأولياء أو الصحابة أو آل بيته صلى الله عليه وسلم، ويطلب منهم العون والتوفيق والتأييد، إذ لا يدعي غير الله سبحانه وتعالى، ومنها: أن يستخدم الحاج هذه الشعيرة مكاناً للتبرؤ من دول أو جماعات أو أفراد لأن الحج عبادة شرعت لإقامة ذكر الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، فكل ما ليس فيه إقامة لذكر الله فلا ينبغي فعله في الحج، ومنها أن يزيد الحاج في أدائه للمناسك أفعالاً أو أقوالاً لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أدائه للحج قولاً وفعلاً، فقد رمى - صلى الله عليه وسلم - حصى الجمار بمثل حصى الحذف، وخاف من غلو الناس بعده، فقال: (بمثل هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو)، لعلمه أن مثل هذه المواضع مما يدخل فيها الغلو. ومن المخالفات التي تنقص من أجر الحاج أن يضيع عليه وقته في غير طاعة الله تعالى، ولذلك جاء في الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، لأن من مقتضيات تمام العبادة أن تكون مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، فلا يشغل الحاج وقته بغير ربه سبحانه.
واستطرد العسكر عضو التوعية الإسلامية في الحج قائلاً: فمهما يكن وصف تلك التجاوزات أو المخالفات إلا أن السعي لعلاجها أولى من تتبعها وتعدادها، ولن يكون هناك طريق لعلاجها أولى من أمرين: مراقبة العبد لربه سبحانه وتعالى في جميع تصرفاته، واستشعار ذلك في جميع العبادة، فمن راقب الله سبحانه وتعالى حرص على أداء ما وجب على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى، ومما تتم به مراقبة العبد لربه في الحج العلم الشرعي لجميع المناسك قبل البدء فيها، والحرص على الاتباع فيها، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، إذ هو المرجع في معرفة الوجه الصحيح للعبادة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فعلى الحاج الحرص قدر الإمكان على السعي لذلك، وتحصيله بموافقة طالب علم والسؤال عما لا يعرفه من العبادات قبل البدء بها.
مخالفات قولية وفعلية
أما الدكتور خالد بن إبراهيم الرومي الأستاذ بقسم السنة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فيستهل حديثه قائلاً: إن الله تعالى لا يقبل عبادة إلا إذا تحقق فيها أمران: الأول: أن تكون خالصة لله تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، الثاني: أن تكون صواباً على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود على صاحبه.. وفي التنزيل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. قال المفسرون: أي أخلصه وأصوبه، ولقد كان لزاماً على كل مسلم أن يحرص أن يستوفي هذين الأمرين في كل عباداته.. والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد أوجبه الله على عباده مرة واحدة في العمر: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، وقال «لتأخذوا مناسككم» رواه مسلم. ومن أجل أن يكون من يريد الحج أو العمرة على بصيرة في دينه فلابد من الوقوف على الأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج أو العُمّار، وهي مخالفات قولية أو فعلية، بل قد تكون بدعاً أو شركيات، ومعرفة المخالفات للحذر من الوقوع فيها أو الاستمرار عليها، ويمكن تقسيمها للآتي: أخطاء قبل الدخول في المنسك، وأخطاء في الإحرام، وأخطاء في الطواف، وأخطاء في السعي، وأخطاء في عرفة، وأخطاء في المزدلفة، وأخطاء أيام التشريق، وأخطاء في زيارة المسجد النبوي.
وأورد فضيلته أمثلة على هذه الأخطاء: ففيما يتعلق بأخطاء قبل الدخول في النسك منها: أن يكون مراده غير وجه الله تعالى من رياء وسمعة ودنيا يصيبها، وغير ذلك، فالحج أسمى من كل ذلك، وإنما يريد به الموفق وجه الله تعالى، وأن تكون النفقة من مال محرم، من غش وسرقة ورياء، ونحو ذلك، فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وتأخير الحج أو العمرة مع الاستطاعة، وقد يدرك العبد موت أو هرم أو مرض أو مانع غيبة. ومنها: سفر المرأة بدون محرم، وفي الصحيح «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم».
ثانياً: أخطاء في الإحرام: منها: تأخير الإحرام عن ميقاته، فالحج والعمرة لها ميقات مكاني لا يجوز تجاوزه لمن أراد الحج أو العمرة إلا بالإحرام، وتحديد لباس معين للمرأة كالأخضر أو غيره فإن ذلك لا أصل له، ووضع الطيب على الملابس، فالطيب إنما يكون للرجل على حسب أو ناصية رأسه.
ثالثاً: أخطاء في الطواف.. منها: الابتداء قبل الحجر الأسود أو بعده، والمشروع الابتداء منه والانتهاء إليه، ومنها: المزاحمة والتضييق على الطائفين، وخصوصاً عند الحجر الأسود لتقبيله أو استلامه.. وإذا كان تقبيل الحجر سنة فإن أذية مسلم حرام.. فلا تطبق السنة بارتكاب محرم، والتمسح أو التبرك بجدران الكعبة أو المقام، مما لا أصل له، بل قد يقدح في توحيد العبد، ومنها: وهو أخطرها: دعاء غير الله، والاستغاثة بالمخلوق أياً كان، وهذا شرك بالله تعالى. ومنها: التزام دعاء معين لكل شوط، فهذا لا أصل له، بل يدعو بما تيسر، ومنها: المزاحمة للصلاة خلف المقام بعد الطواف، وأذية المصلين والطائفين، مع أن الأمر فيه سعة، ومنها: الذكر والدعاء الجماعي، وهذا لا أصل له، ويشغل الطائفين ويمنع الخشوع.
رابعاً: أخطاء في السعي.. منها: الابتداء بغير الصفا، وعدم إكمال السعي بين الصفا والمروة في الذهاب أو الإياب، والالتزام بدعاء معين في كل شوط، والانشغال بالكلام الذي لا ينفع سواءً في الطواف أو السعي، والمشروع ذكر الله والإكثار من الدعاء.
خامساً: أخطاء في عرفة.. ومنها: الوقوف خارج عرفة، وهذا من أشد المخالفات, فالحج عرفة، ومن وقف خارجها فلا حج له، وإجهاد النفس بالذهاب إلى الجبل للوقوف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف))، وتضييع ذلك اليوم بالضحك أو المزاح أو النوم أو غير ذلك، وهو فرصة العمر، فخير الدعاء يوم عرفة، الدفع من عرفة قبل الغروب.
سادساً: أخطاء في المزدلفة وليلتها.. ومنها: البدء بجمع الحصى، والمشروع الأذان والصلاة للمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً حسب الوصول، وتأخير صلاة المغرب والعشاء إذا حبسه السير للمزدلفة حتى لو خروج الوقت، واعتقاد الوقوف عند مسجد المشعر الحرام، والصحيح المزدلفة كلها موقف، وترك الوقوف والمبيت بالمزدلفة مع القدرة على ذلك.
وسابعاً: أخطاء أيام التشريق.. ومنها: اعتقاد بعض الناس وجوب ترتيب أعمال يوم النحر، مع أن الأمر فيه يسر، فلا حرج في تقديم بعضها على بعض، والتوكيل في رمي جمرة العقبة يوم العيد مع الاستطاعة، وذبح الهدي خارج حدود حرم مكة، وتقديم الذبح قبل طلوع الشمس يوم العيد أو تأخيره عن مغيب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق. ومزاحمة الحجاج في الرمي وأذيتهم. واختيار الحصى الكبار أو غسلها، والمشروع أن تكون بقدر حبة الحمص أو البندق. والرمي بغير الحصى كالأحذية وغيرها. وترك الدعاء بعد الصغرى أو الوسطى، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو طويلاً بعد الصغرى والوسطى. والدعاء بعد الكبرى، وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإخلال في ترتيب الجمار فيبدأ بالكبرى أو الوسطى، والمشروع الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى. ومنها رمي الشاخص، والمقصود وقوع الحصاة في المرمى، والتهاون بواجب المبيت بمنى ليالي التشريق، والانتقال بالمباحات بل بالمحرمات من الغيبة والنميمة أو أذية المسلمين، وترك طواف الوداع مع القدرة. ومنها: التهاون بالواجبات كالصلاة.
ثامناً: أخطاء في زيارة المسجد النبوي.. ومنها: اعتقاد ووجوب زيارة المسجد النبوي، والصواب أن ذلك مسنون، وقصد شد الرحل لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح «لا تشد الرحال إلا لثلاث: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، والتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء عنده، وهذا من البدع القادحة في أصل التوحيد أو كماله. واعتقاد وزيارة أماكن تاريخية كجبل أحد ومسجد القبلتين والمساجد السبعة وغيرها، والذي يستحب زيارته لمن وصل المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، ومقبرة البقيع، وشهداء أحد، للدعاء لهم والسلام عليهم.
وخلص الدكتور خالد الرومي إلى القول: هذه جملة من المخالفات، وإنما وقعت هذه المخالفات بسبب الجهل بدين الله تعالى، والإقبال على العبادة دون علم وسؤال لأهله، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. والعلاج بأن يسعى المسلم للتفقه بدين الله بالسؤال، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وكذا بنشر برامج التعليم والتوجيه والتوعية عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وكذا إمداد الحجاج والعمار بالرسائل والكتيبات النافعة لهم.
علم وبصيرة
ويشير الداعية الشيخ عبدالله بن نويفع العنزي العيادة إلى أن الأمور المطلوبة من العبد المؤمن بالله وبأوامره ونواهيه معرفة أمور دينه، وكيف يتعبد الله على الوجه الذي يحبه ربنا، ويرضاه. ومن الأمور التي نعبد بها الله فريضة الحج، ولا شك أن هذه الفريضة لها آدابها وواجباتها وسننها وأركانها وأعمالها الواضحة الجلية، ومن المفترض للمسلم حيثما يأتي إلى الحج يكون على بصيرة وعلم ودراية ومعرفة بكيفية أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام الخمسة، لكن مما يؤسف له أننا نرى الكثير ممن يقعون في أعمال مخالفة لما أمر به ربنا لهذه الشعيرة، وزد على هذا الجهل بأحكام الحج، وهذا ناتج من نواتج الجهل بفهم عظمة وأهداف ومرامي ومقاصد الحج. فالوقوع في أعراض الناس والغيبة والنميمة، وسرعة الغضب عند أتفه الأمور، والنظر إلى ما حرم الله، وبذاءة الألفاظ عند كثير من الحجاج، وكذلك قلة الحياء من أقوال وأعمال ظاهرة ومشاهدة من قبل كثير من النساء والرجال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أين كثير من الحجاج من قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه.
وانتهى قائلاً: إن على الحاج أن يتقي الله عز وجل ويؤدي هذا الركن الخامس من أركان الإسلام بكل ما يقربه إلى الله - عز وجل - من أقوال وأعمال يرضاها ربنا - سبحانه - بعيداً عن كل ما ينقص بالعمل، رجاء إن ترجع أيها الحاج كيوم ولدتك أمك.