لم يجر بخلد الكاتب (بول يافانز) أن مجموعة رسائله لابنتيه الصغيرتين ستثير انتباه النَّاس، فقرر أن يجمعها في كتاب، ولكن الحيلة أعيته في إيجاد ناشر، فقرر أن ينشره بنفسه، ولكي يسوق لكتابه حجز كشكًا صغيرًا في أحد معارض الكتاب الذي خُصص فيه لكبار الكتَّاب منصة خاصة، لذا كان الكلُّ يقصدهم وكانوا الوحيدين الذين يحظون بانتباه الحضور والإعلام! وفي أحد أيام المعرض لاحظ (بول) غياب أحد كبار الكتَّاب عن طاولته وبكلِّ شجاعة والتزام نحو النجاح قفز بفؤاد جريء وجنان ثابت إلى الطاولة الفارغة حاملاً صندوقًا من كتبه! وما لبث أن بدأ النَّاس يتوافدون عليه للتوقيع اعتقادًا منهم أنه من كبار الكتَّاب! وبفضل جراءته وشجاعته كان الكاتب الأول في العام التالي وبيع من كتابه أكثر من 8 ملايين نسخة!
والمتأمّل في سير الناجحين والأثرياء والمبدعين والزعماء يجد أن الشجاعة والإقدام والجراءة هي القاسم المشترك في طباعهم، والحياة إذا خاضها الإنسان يسير بمحاذاة الجدار ويمشي على أطراف أصابعه طالبًا السَّلامة سيكون صفرًا لا أثرًا حسنًا ولا ذكرًا طيِّبًا فمن يتهيب الصعود فالحفر مكانه واللذات ما فاز بها إلا الجسور!
وما أروع ما قالته هيلين كيلر: (تجنب الخطر ليس أكثر أمنًا على المدى الطويل من الإقبال على الحياة.. الحياة إما مغامرة شجاعة أو لا!) ويقول الأديب ليوبوسكاليجا: (لا بُدَّ من خوض المخاطر وأعظم مخاطرة في هذه الدُّنْيَا هي ألا تخاطر! فمن لا يخاطر) وصدق والله فمن لا يقدّم لا يمتلك شيئًا ولا يفعل شيئًا ولا يصبح شيئًا!
وما رأيت صفة تواطأت الأمم والمجتمعات والديانات على ذمها والتقليل من شأن أصحابها كالجبن!
فالجبان مهيض الجناح مسلوب الإرادة ضعيف الهمّة مستضعف من الجميع، وهو ينأى بنفسه عن مواطن الإقدام لينجو ولا يُصاب بألم ولا معاناة! ولكنَّه في المقابل لن يستطيع التعلّم ولا النمو ولا الحب ولا الحياة فهو مقيد بمخاوفه ذليل أسير، فأيّ حياة تلك! والحر فقط الذي يخوض الصعاب ويتجرأ على المخاطر! وما كذب من قال: إن الشجاع يقاتل عمّن لا يعرفه، والجبان يفر عن عرسه!
والعجيب أن أغلب المخاوف التي تصاحبنا حاليًّا مخاوف مكتسبة، فالإنسان يولد بخوفين فطريين كما قرَّر علماء النَّفس هما: الخوف من الأصوات العاليَّة والسقوط من الأماكن المرتفعة!، ثمَّ يبدأ الوالدان ومن حولنا بغرس المخاوف بداخلنا بتَهَيَّب الأمور لنا، فننزل صغائر الأمور منزلة ما يروع الأسود، ويذيب قلب الجماد! وهذا من شأنه أن يقيدنا ما لم نتحرر منه، ولذا فإنّ المتخصصين يصفون الخوف على أنه تجارب متخيلة تبدو حقيقة! وسأهديك في مقالي القادم بإذن الله تقنيات رائعة لتنميَّة الشجاعة والتحرر من الخوف.
ومضة قلم:
تكون السفن آمنة عندما تكون راسية على الموانئ، ولكن السفن لم تصنَّع لهذا!
khalids225@hotmail.com