في حديث للسياسي العراقي عوض العبدان لصحيفة الشرق قبل أيام، قال بأن: «الشعب العراقي يعاني من مشكلة كبيرة، أدت إلى تضليله، فهناك مؤسسات تعمل، من أجل نجاح المشروع الإيراني، حيث إن أكثر من (50) قناة تليفزيونية فضائية، تعمل في العراق، وبتمويل إيراني. وأكثر من (60) إذاعة، وأربعمائة صحيفة، إضافة إلى آلاف المواقع الإلكترونية، وكلها تعمل في العراق، وبتمويل إيراني.
فتخيّل: أنه عندما تعمل كل هذه الوسائل في وقت واحد، بالتأكيد ستعطي انطباعاً جيداً، ويشكلون رأيا عاما كما تتصوره إيران».
معظم هذه القنوات الإيرانية إن لم تكن كلها، تبث من خلال الأقمار الصناعية السنية، دون أن تجابه بما يستحق، لتعكس السياسة الإيرانية، وإستراتيجياتها العامة، بين المسكوت عنه، وما خلف المنطوق، وذلك وفق ثوابتها العقدية، وتكتيكاتها السياسية المرحلية في النهج، والتخطيط، والتكتيك، والأسلوب، والعرض.
والتي تهدف مع الأسف إلى إذكاء التعصب، والتشدد المذهبي، والطائفي من جهة، ومحاولة استمالة الشعوب نحو التشيع الإيراني من جهة أخرى.
لا زلت أذكر تقريرا أعده الأستاذ أحمد عمرو، عندما تحدث بحيادية عن مخاطر تلك القنوات الإيرانية، باعتبارها لا تقف عند حدود العقيدة، والدين، بل تمتد لتلامس الأوضاع السياسية للدول السنية، وأمنها القومي.
ومن ذلك حين تحدث عن محتوى تلك القنوات الشيعية، وكيف أن المستهدف يستطيع أن يلحظ من هذه القنوات، أنها ليست موجهة للجمهور المعتنق للمذهب الشيعي فقط، بل لمعتنقي المذاهب، والديانات الأخرى، فقناة «أهل البيت» على سبيل المثال، تستهدف في معظم برامجها عقد المقارنات المذهبية، والإلحاح على مناطق الخلاف بين المذهبين بشكل عام، والوهابية خاصة، مثل: قضايا العقيدة، والموقف من الصحابة، والأئمة على الجانبين، مع نفي فكرة تقديس الصحابة لدى السنة، واعتبار أغلب الروايات السنية مأخوذة عن صحابة غير ثقات، ولا يجوز الأخذ منهم مع وجود آل البيت، والهجوم اللاذع على المذهب الحنبلي، بوصفه كان بداية التشدد، وتغييب العقل أمام النقل من وجهة نظرهم، وكذلك كان مفتتحًا للوهابية بعد ذلك.
ولا يتوقف خطر منظومة القنوات الشيعية على الجانب العقدي فقط، بل يمتد إلى الجانب السياسي، فتعرض العديد القنوات الشيعية، لمناقشة قضية ولاية الفقيه، وضرورة قيادته في العديد من برامجهما، مثل: قناة «المعارف» التي تبث من البحرين، وقناة «الكوثر الإيرانية» التي تبث باللغة العربية.
كما تروج القنوات الشيعية ذات المنشأ العراقي، إلى أن المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، تتم على يد الفصائل الشيعية في العراق دون غيرها، وكذلك الترويج للمقاومة اللبنانية تحت قيادة حزب الله، وإيران، في محاولة لتهميش كل الأدوار الوطنية المشاركة في مقاومة الاحتلال الأمريكي، والإسرائيلي، أو دمجها تحت لواء المقاومة الشيعية.
كما يحظى مصطلح «الوهابية» بمعناه السياسي لهجوم مستمر، والمقصود به النظام السياسي للدول الخليجية، وخاصة السعودية، ويتم تحميله كل أوزار المشكلات، التي تعاني منها المجتمعات العربية، والإسلامية.
كما تقوم تلك القنوات بتقديم جرعة من البرامج الممجدة للثورة الخمينية، والممهدة لما أسموه بالدولة الإسلامية العالمية، والتي سيقيمها مهديهم المفقود في السرداب منذ 1200 سنة، وأنه لن يقبل في دولته إلا بمن ينتمي إلى الشيعة.
كما تسخر بشكل واضح من أي مشاريع أخرى غير المشروع الشيعي، وتنهج في ذلك أساليب عدة، منها: الجرح، والهجوم عليه بشكل مباشر، كما تفعل مع الوهابية، لتبقى النظرية الشيعية هي وحدها القابلة للبقاء، كما يظهر ذلك بوضوح من خلال «قناة المنار» التي تظهر حزب الله، بوصفه النموذج الحركي للشيعة، الذي يدافع عن الأمة، ويقود جهادها، وأنه امتداد لجهاد أهل البيت.
خلاصة القول: إن المشروع الإعلامي الإيراني مغلف بنزعة مذهبية، وقومية، تعكس وجهة نظرهم كمحررين، وفاتحين.
ولأنني أدين الله، بأن المشروع الإيراني يتماثل مع المشروع الصهيوني، في تقويض إرادة الأمة العربية في النهوض، والتقدم، وامتلاك زمام المبادرة، باعتبار المشروع فارسي الإمبراطورية، له أطماعه، وأحقاده، وضغائنه التاريخية، ومن ذلك: زرع الفتن في دول العالم العربي دون استثناء، فإنني أدعو إلى مجابهة تلك القنوات، بإنشاء قنوات إعلامية، تمتلك سلطة المساهمة الإيجابية في إعادة تشكيل الآراء، والمفاهيم، وأنماط التفكير السليم، وهو ما أكدت عليه وزيرة إعلام مملكة البحرين سميرة رجب قبل أيام، في تصريحاتٍ إلى صحيفة الوطن: «إن إيران لا تمتلك أي قوة لزعزعة أمن منطقة الخليج، عدا بعض وسائل الإعلام، التي تخدم أهدافها الـعقائدية، بالإضافة إلى خلايا نائمة في المنطقة، تُحركها طهران كيفما شاءت، ووقت ما شاءت»، معتبرة تلك الخلايا بمثابة: «أذرعة تخدم الأجندة الإيرانية، لتحقيق أهدافها في المنطقة».
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية