لقد قرأنا كثيراً في الكتب والصفحات السياسية، وسمعنا كثيراً في نشرات الأخبار عن مبدأ فصل الدين عن السياسة أو ما يُطلق عليه لفظ العلمانية. ولكننا لم نسمع ولن نسمع عن مبدأ فصل الاقتصاد عن السياسة! وأنا هنا لستُ بسياسي ولست مُخولاً بالتحدث باسم الدين ولا أريد أن أدخل في هذه المعمعة لكي لا أغرق في شبر ميه كما يقول الإخوة المصريون الذين يمرون بفترة سياسية واقتصادية وأمنية صعبة جداً لا يحسُدُهم عليها أحد، نسألُ الله أن يُنجٍيهم منها عاجلاً غير آجل.
فعندما نقرأ التاريخ القديم والحديث فإننا نجد أن السياسة والاقتصاد مرتبط كلُ منهما بالآخر لدرجة أن الاقتصاد في بعض الأحيان يُعتبر العامل الأهم في ترجيح كفة حزب سياسي على آخر. بل ربما لو أننا درسنا أسباب الكثير من الأحداث السياسية والأمنية القديمة والحديثة بما فيها الربيع العربي فإننا نجد أن الاقتصاد يُعتبر العامل الأوحد المشترك في هذه الأحداث الذي يُشعل الشرارة الأولى كما حدث مؤخراً في تونس.
فالاقتصاد القوي المُستدام يؤدي بلا شك إلى الأمن النفسي والفكري والاجتماعي والسياسي والعسكري. وهذا ما يجب أن تعمل لتحقيقه جميع الشعوب والحكومات العربية بقيادة جامعة الدول العربية وذلك لخلق أمن اقتصادي عربي قوي مستدام من خلال وضع وتطبيق استراتيجيات تعاون وتكامل اقتصادي مشترك بين جميع الدول العربية بلا استثناء من الخليج إلى المحيط. لقد ذكرتُ في مقالٍ سابق أن الله سبحانه وتعالى بمنٍه وفضلِه وهب للعالم العربي الكثير من الثروات والمصادر الطبيعية والبشرية التي إن وُظفت بشكل صحيح وفعال تحت إستراتيجية اقتصادية موحدة سوف تُكَوٍنُ قوة اقتصادية تنافس الصين والإتحاد الأوروبي والإتحاد الأمريكي.
لقد وهبنا الله سبحانه وتعالى -نحن العرب- الكثير من المال وجميع أنواع مصادر الطاقة الأحفورية والمتجددة والمعادن ومواد الخام اللازمة لمعظم أنواع الصناعة الخفيفة والثقيلة والمتطورة. كما وهبنا الله أعداداً كثيرة من المصادر البشرية بمختلف درجاتها، ابتداءً من العامل البسيط إلى الباحث الكبير والطبيب المتخصص والعالِم المُبدع (انظروا إلى عدد علماء وأطباء العرب في جامعات ومستشفيات الغرب). أضف إلى ذلك الأراضي الشاسعة والتربة الخصبة والأنهار الكبيرة والبحار الكثيرة والعيون الطبيعية الخلابة والسواحل والهضاب وو ...الخ. لا أعتقد أنه يوجد مواد خام تُستخدم لأي نوع من الصناعة والزراعة البسيطة والمتطورة لا تجد الكثيرَ منها في العالم العربي.
إذن لماذا لا يكون لدى العرب رُؤية صناعية واقتصادية وزراعية وصحٍية وتعليمية مشتركة تُنشَأ من خلالها مشاريع ومدن صناعية واقتصادية وزراعية وصحية وتعليمية على حدود الدول العربية، تُقوي اقتصادها وتحل الكثير من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية؟ نريد مُدنا ومَصانع مشتركة لإنتاج الكثير من المواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية بلا استثناء، ليس فقط للاستهلاك الداخلي في الدول العربية (وهذا كافِ بحد ذاته) ولكن أيضاً للتصدير خارجها ومنافسة مثيلاتها الصينية واليابانية والأوروبية والأمريكية. لماذا الاستمرار في بيع مواد الخام للدول الصناعية خارج الدول العربية ومن ثم شراء المنتجات المُصنعة منها بأضعاف الأثمان؟ لماذا نساعد هذه الدول الصناعية لتقوية اقتصادياتها وحل مشاكلها الاجتماعية والأمنية وننسى أنفسنا؟
لا أعتقد أن أحداً يختلف معي في أن العرب لم ينجحوا في بناء بُنية اقتصادية عربية مشتركة في القرن الماضي والحاضر مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في الكثير من الدول العربية، وما يحدث الآن في العراق وسوريا ومصر من ذلك ببعيد. وأنا هنا أنادي جامعة الدول العربية بإعادة إحياء فكرة إنشاء إتحاد وسوق عربية اقتصادية وصناعية وزراعية مشتركة تحقق هذه الرؤية وتحقق للشعوب العربية طموحها وحقها في العيش الرغيد. فلماذا لا نحاول النجاح اقتصاديا أولاً لكي ننجح سياسياً وأمنياً؟ سؤال أتمنى الإجابة عليه من قبل معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية.
ولعلي أنهي هذه المقالة بهذه الأبيات التي تهز المشاعر العربية وتثير الأشجان للشاعر فخر البارودي:
بلادُ العربِ أوطاني
من الشام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنٍ
إلى مصرَ فتطوانِ
فلا حدُ يُباعِدُنا
ولا دينُ يُفرقنا
لسان الضادِ يجمعنا
بغسًانٍ وعدنانِ
www.saudienergy.netTwitter: @neaimsa