تحدثت الأسبوع الماضي عن التأثيرات السلبية الهائلة لغياب أي تخطيط اقتصادي حقيقي في المملكة في ظل الدور الهامشي لوزارة الاقتصاد والتخطيط. هذا الغياب ترك مهمة التخطيط لأجهزة تنفيذية لا تملك الوقت ولا حتى المعرفة اللازمة لوضح خطط مدروسة بعناية وقد لا تكون مدركة للعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على تبني سياسات خاطئة.
حديث المحافظ السابق للتأمينات الاجتماعية الأسبوع الماضي لصحيفة اليوم عن المخاطر التي تكتنف نظام التأمينات الاجتماعية بسبب السعودة الوهمية المترتبة على تطبيق برنامج نطاقات، إلى حد أن اشتراكات نظام التأمينات أصبحت الآن نصف ما يجب أن تكون عليه حتى يتمكن النظام من التوازن ماليا، يمثل جرس إنذار وكاشف لحقيقة ما يجري على أرض الواقع نتيجة السياسات التي تتبناها وزارة العمل حاليا، ودليل واضح على خطورة ترك مهمة التخطيط للأجهزة التنفيذية والحاجة الماسة لخروج وزارة الاقتصاد والتخطيط من بياتها الشتوي المستمر على مدى ما يزيد على أربعة عقود.
فعدم وجود جهاز في الدولة يعنى بالتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي اضطر الأجهزة التنفيذية إلى أن تتولى مهمة التخطيط بنفسها وتستعين لأجل ذلك بمكاتب أجنبية تقترح في الغالب استراتيجيات وبرامج غير واقعية يتم تمريرها بسهولة نظراً لعدم امتلاك هذه الأجهزة التنفيذية للمعرفة والخبرة التي تمكنها من تمييز الغث من السمين، فأصبحت تتبنى برامج تفتقر إلى التقدير السليم والواقعية، بحيث أنه وبدلاً من أن تحل المعضلات التي تواجهها أصبحت مشكلاتها أكثر تعقيدا وأصعب على الحل.
استراتيجيات وبرامج وزارة العمل حاليا مثال صارخ على ذلك، ويمكن إيجاز أهم نتائجها السلبية في التالية:
1-إن وزارة العمل ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا بمكافأة وحدات القطاع الخاص بمزيد من التأشيرات لقاء ما تحققه من زيادة في نسبة سعودتها، حيث دفع ذلك وحدات هذا القطاع إلى السعودة الوهمية التي لا تتعدى مجرد تسجيل أفراد في نظام التأمينات الاجتماعية بأجر لا يتجاوز 1500 ريال ولا تمثل في الغالب أي توظيف حقيقي للمواطنين.
2-إن هناك نمواً كبيراً في تأشيرات العمل الصادرة للقطاع الخاص منذ تطبيق نطاقات، ووزارة العمل لا تحتاج إلى أي دليل آخر على فشل هذا البرنامج في تحقيق اعتماد أكبر على العمالة المواطنة في القطاع الخاص، فارتفاع الاستقدام بشكل كبير بعد تطبيق نطاقات دليل على حقيقة أن معظم ما ترتب على هذا البرنامج هو سعودة وهمية واعتماد أكبر على العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، وهو عكس ما يفترض أن يحققه أي برنامج سعودة حقيقي.
3-إن هناك تأثير اجتماعي خطير لهذه السعودة الوهمية آمل أن يلقى اهتماما من الجهات المعنية في الدولة خاصة وأن وزارة العمل لا تبدو أنها ترى أنها معنية به. فالمبالغ الزهيدة التي يتقاضاها عشرات الآلاف من الذكور والإناث من المؤسسات المستغلة لأسمائهم في نظام التأمينات الاجتماعية جعلتهم في حالة تخدير ومعاقين عن البحث عن عمل حقيقي، وهذا الوضع غير الطبيعي وعلاوة على ما يمثله من هدر لمواردنا البشرية وتعطيل لها فإن له تأثير نفسي واجتماعي خطير على هؤلاء الأفراد وعائلاتهم ومستقبل حياتهم وعلى نسيجنا الاجتماعي يلزم تداركه عاجلا وقبل فوات الأوان.
4-إن تسجيل أفراد قد لا تتجاوز أعمارهم أحيانا 15 عاما في نظام التأمينات الاجتماعية ضمن هذه السعودة الوهمية يمثل تهديدا خطيرا لإحدى قصص النجاح في بلادنا وهو نظام التأمينات الاجتماعية سيدفع ثمنه كافة المشتركين في النظام، فأبرز الحلول لهذه المشكلة المالية المتفاقمة سيكون إلغاء التقاعد المبكر في نظام التأمينات الاجتماعية، فبدونه سيكون النظام في موقف مالي صعب خلال سنوات قليلة، إن لم نبادر إلى تدارك كل ذلك بإيقاف المسمى برنامج نطاقات.