من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن، وتقلبات المنطقة استثنائية.. فهناك دول تحت الحريق مثل سوريا والعراق واليمن والصومال، ودول تغلي مثل لبنان والسودان ومصر وتونس وليبيا،
ودول قلقة مثل الجزائر والبحرين وفلسطين وموريتانيا والأردن.. ودول جوار تتدخل سلبًا أو إيجاباً مثل إيران وتركيا.. ودول عظمى تتدخل في المنطقة مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.. ومنظمات دولية موجودة بقوة في المنطقة مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمات الإغاثة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات أخرى..
إضافة إلى أن الشرق الأوسط بات ميدانًا لمعارك استخباراتية من كل دول العالم تقريبًا.. والشرق الأوسط أصبح هو المادة الساخنة التي غطت على شاشات تلفزيونات العالم ولوّنت صفحات أوراق الصحف ودبت في محطات إذاعات العالم.. كما أن الشرق الأوسط هو مادة كل وسائل الإعلام الجديد بشتّى أنواعه من صحف إليكترونية ومواقع إخبارية وشبكات تواصل اجتماعي من تويتر وفيسبوك ويوتيوب ومنتديات ومدوّنات، إضافة إلى مادة رسائل البريد الإلكتروني ورسائل الجوالات النصية والمرئية.. إضافة إلى حديث المجالس وجدل التواصلات الشخصية..
هذا هو مشهد الشرق الأوسط الدامي الحزين.. نحن من داخل المنطقة نعيش هذه الأجواء الساخنة، وغيرنا من خارج المنطقة يعيش حالة الترقب والقلق والتوتر.. والكل يشارك في صناعة هذا المشهد والتأثير فيه ومحاولة استيعاب تداعياته، ونقيس درجة التورط في قضايا وشئون الشرق الأوسط بحجم المصالح التي تمتلكها الدول والمنظمات..
أوروبا كانت مصدر وساحات الحروب في القرن التاسع عشر وإلى منتصف القرن العشرين، ولكن منذ النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين أصبح الشرق الأوسط مصدر التوتر والقلق، وساحة الحروب، كما أصبح مصدر تهديد للأمن والسلم العالميين، ومصدّرًا ومفرخًا للإرهاب والإرهابيين.
الشرق الأوسط بقعة حمراء في كوكب الأرض وبقعة سوداء في جبين التاريخ والإنسانية لما تفرزه المنطقة من قتل وتدمير وخراب وفتن وقلاقل وتوترات.
بات من المسلمات تحذير القادمين إلى منطقة الشرق الأوسط من قبل دول وسفارات وقنصليات لأن السفر إلى هذه المنطقة لم يعد آمنًا، والبقاء فيها أصبح مهددًا للحياة. فقد ضربت صناعات السياحة والطيران والسفر، وتأثّر الاقتصاد وتبعثرت الثقافات، وتلوّنت المواقف، وتبدلت السياسات. والشرق الأوسط منطقة ساخنة وملفاتها مفتوحة في كل الاتجاهات، وهذا ما بعثر أوراق المنطقة وجعلها على صفيح ساخن لا يعرف أحدٌ متى يبرد هذا الصفيح ولا متى تنطفئ نيرانه أو تتلاشى حرائقه؟
إسرائيل هي أحد مهدِّدات الأمن في المنطقة، فقد تأسست على أسس عنصرية واغتصبت الأرض وشرَّدت أبناء الأرض الأصليين. وعاثت فسادًا وحوَّلت المنطقة إلى منطقة حروب ودمار. وفرضت التدخلات العالمية في المنطقة، وحوَّلت جهود دول المنطقة إلى مجهودات عسكرية بدلاً من المجهودات التنموية. ولا تزال إسرائيل أحد مقوضات استقرار وأمن الدول والشعوب. وارتبط مصطلح مشكلة الشرق الأوسط بما أفرزه الوجود الإسرائيلي واستلابه للحقوق الفلسطينية والعربية. ولا شكَّ أن الجزء الأساسي من مشكلة الشرق الأوسط هو إسرائيل، ولكن يجب أن نعترف أن هناك مشاكل أخرى قد لا تكون إسرائيل سببًا فيها، مثل احتلال العراق للكويت، أو أحداث سوريا الحالية، أو نزاعات العنف داخل الدول.. متى يتحوَّل الشرق الأوسط إلى منطقة سلام وآمن وتنمية وازدهار.. لا أستطيع أن أقول: يعود الشرق الأوسط لفترة سابقة لأنه لم يكن قط منطقة آمنة أو سلمية، كما لا يزال اقتصاد المنطقة متعثرًا والأمية منتشرة والتعليم دون مستوى المتوقع والفقر في أسوأ حالاته، والثقافات تصادمية بين أقطار المنطقة وحتى أحيانًا داخل البيت السياسي الواحد.. ولربما هذه المعطيات التاريخية والمعطيات السياسية الحالية هي التي تقف دون تحوّلات نوعية للمنطقة أو تحوّلات إيجابية يستفيد منها أبناء هذه المنطقة.