لنبدأ بعبارة أرسطو القائلة: “علامة العقل المتعلم هي قدرته على تداول الفكرة دون أن يتقبلها”، انتهى.
وإذا ما رحنا نطبق هذه العبارة على واقع (تويتر) نرى خلاف ذلك، هناك أناس يقبلون الأفكار دون تمحيص ويصدقون كل (قول).
في حين نرى آخرين يرفضون الفكرة والقول والخبر لأنها لم تتوافق مع (هواهم)، وبين القبول المحض والرفض المحض تنشأ أزمة في مفهوم (التعليم والتعلم) ذي الرأي الأحادي، وطالما أنه رأي أوحد، فلا مجال (لتداول الفكرة) وطرح الأسئلة حولها.
هكذا بعض نتاج (تويتر)، جيل تعود على الإجابات الجاهزة اليقينية، ومن يسأل ويحاور، يشك في أمره، وأما الحكيم والمتأني الذي يقلب (الفكرة) وينظر إليها من جميع أوجهها حتى يقبلها عن قناعة، فلا مجال له في هذا العالم الافتراضي، ويتلقى كثير من الإقصاء والسباب والشتم.
كلما كان الإنسان مستقلاً، صار أكثر قدرة على التفكير الحر، وأكثر قدرة على (تقليب) الأفكار البشرية وطرح الأسئلة حولها، وكلما كان (تابعا) حتم عليه قبول الفكرة النابعة ممن يتبعهم أو ينتمي إليهم وصار أكثر سهولة في سقوطه في حزب هنا أو هناك.
العقل غير المتعلم يبحث عمن يوجهه لأنه لا يجيد تقليب الأفكار، ويبحث عمن يفكر عنه ويقود حياته لأنه لا يعرف كيف يحكم على الأفكار البشرية، فيصبح طوال عمره تابعا ليس غير، وماذا يمكن أن يجد الإنسان في تلك الحياة التي يكون فيها أسير توجيهات خارجية غير نابعة من ذاته وقناعاته وبراهينه وأدلته.
ليس ثم صعوبة في صناعة العقول الواعية، ولكن ثمة بشر يروق لهم صناعة العقول التابعة، عن طريق إدراجهم في جماعات محددة وضخ المعلومات لهم على أنها من المسلمات حتى لو كانت فكرة بشرية، ومع (شوية) غسيل مخ يصبح الإنسان تابعا بقناعة لمن يتبعه، ولا مجال لمناقشة رأي غيره حتى لو كان صوابا.
أزمة الإخوان الراهنة، كشفت العقول المتعلمة والعقول غير المتعلمة، وفضح تويتر الناس التي لا تريد أن تناقش أو تتحاور أو تضع الأسئلة، ما يجعل العقلاء يهجرون تويتر كما هجروا الفيس بوك، حتى يأتي يوم تكون فيه قنوات التواصل الاجتماعي اسماً على مسمى.