خرجت أكثر من دراسة عالمية عن أفضل المدن وأسوئها للعيش، وكانت المفاجأة أن مدينة الرياض احتلت أحد المراكز الخمسة الأولى في قائمة الأماكن الأسوأ للعيش في الحياة، في حين احتلت مدن مثل فيينا وزيورخ أعلى قائمة المدن الأفضل في الحياة النوعية، وهو ما يعني -إذا ما صح ذلك- أننا لا زلنا ننتظر الكثير والكثير جداً من هيئة السياحة لبحث أسباب تدني نوعية الحياة في العاصمة، والعمل على دفع التغيير نحو الانفتاح، ولاسيما أنها الهيئة المخولة لنشر ثقافة السياحة في المجتمع، والتي من مفاهيمها تحسين معدلات الترويح والسعادة بين سكان المدن، ولن يحدث ذلك قبل اختراق كثير من العوائق التي فرضتها ثقافة متأصلة على الحياة العامة في المدينة، ومن أهمها تصادم أهدافها مع أهداف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في الدراسات يتحدثون عن عوائق ومشاكل رئيسية مثل التلوث البيئي والقمع الاجتماعي وانعدام الترفيه والحرية الشخصية، وأيضاً يرجعون في قياساتهم إلى معايير البنية التحتية والتعليم والصرف الصحي، وهو ما يعني بكلمات أخرى أن الكآبة والأمراض والتلوث تُخيم على شوارع وسكان مدينة الرياض، وأن سكانها يحتاجون إلى تغيير ثقافي اجتماعي، وإلى الحد من مظاهر القمع والعوائق الاجتماعية بمختلف صورها، وذلك من أجل منح العاصمة نسمات من الحرية النسبية، وأجواء من السعادة، برغم من أنني أعتقد أن العمل البيئي بدأ في الحراك، ومنها تشجير وادي حنيفة، لكنه لا يزال كئيباً بلا مظاهر ترفيهية، ولا زالت العاصمة تنتظر خطوات جريئة مثل حل إشكاليات جريان مياه الصرف في جنوب المدينة، ونقل مصانع الأسمنت والجبس، وإلغاء المدينة الصناعية في العاصمة، ونقلها إلى السواحل.
ليس من عادات المجتمع الاهتمام بثقافة الترويح والبحث عن السعادة، فالأفراح والسرور والترفيه مؤجلة ليوم الحساب، وهي بلا شك قراءة للدين مصدرها التقاليد الاجتماعية، وذكريات الجوع والعطش في قرون خلت، وبرغم من النفط والثروة الاقتصادية لم تتبدل تلك التقاليد كثيرا، والدليل أن نسبة غير قليلة من سكانها يملكون مئات الملايين، لكنهم لا يتوقفون عن ترديد دعاء “اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا”، في مفارقة عجيبة، سببها ظاهرة الخوف من الحسد المتفشية، وتغذيها اجتهادات دينية محافظة جداً.
من الملاحظ أن نسبة عالية من سكان المدينة تستخدم نظام الاستراحات المؤجرة والخاصة وذات الأسوار العالية لقضاء أوقات الترفيه، وذلك لأسباب منها انعدام أماكن للترويح في المدينة وغياب المقاهي الترفيهية التي تقدم الخدمات المميزة، بالإضافة إلى الميل إلى الانغلاق في حياتهم العامة والظهور في هيئة ملتزمة خارج الأسوار، فهم يقضون ساعات يومية في الاستراحة إما للتدخين أو مشاهدة التلفاز وسماع الموسيٍقى، لكنهم عندما يعودون إلى منازلهم يسترجعون تلك الشخصية الجادة والملتزمة بآداب المجتمع المحافظ.
أدرك جيداً أنه من الصعب تغيير ثقافة تستمد تقاليدها من البيئة المغلقة، وخصوصاً أن نسبة غير قليلة من السكان ترغب في استمرار الحياة في مدينة الرياض على هذا النمط، وهو الظهور في هيئة المجتمع المحافظ والجاد في الحياة العامة، ومن يريد أن يروح عن نفسه، فلا خيار أمام القادرين عن السفر في نهاية كل أسبوع إلى دبي أو البحرين، أما محدودو الدخل فلهم أن يستأجروا استراحة في أطراف المدينة للخروج من الكآبة قليلاً، أما غير القادرين فخيارهم الوحيد استخدام الأرصفة، والتي تعتبرإحدى علامات المدينة في الوطن، وتكاد تنفرد بها من دون مدن العالم.
وبرغم من تلك الدراسات غير المشجعة لنوعية الحياة في الرياض، أجزم أن ثمة تطورا كبيرا قد حدث في حياة الإنسان في المدينة، إذ يُذكر في سالف الأيام، وبالتحديد قبل أكثر من ستة عقود أن القادم من البحرين يُقاطع لمدة ثلاثة أيام، وذلك احتجاجا على سفره للخارج.