أنه الأديب الأريب الشاعر الماهر: راشد بن جعيثن، أحد أهم الأسماء الأدبية التي خدمت الأدب الشعبي عموما والشعر خصوصا، استطاع أن يساهم في دفع الحراك الثقافي الشعبي للأمام بذلك الجهد الذي يبذله والوقت الثمين الذي يستقطعه.
أشرف شاعرنا على العديد من المهرجانات والمطبوعات الشعرية مثل: ترؤسه لملف الشعر الشعبي في مجلة اليمامة منذ أواخر التسعينيات الهجرية وحتى كتابة هذه السطور، وعمل رئيسا للجنة الشعر الشعبي بمهرجان الجنادرية لعدة مواسم، وصدر له كتاب انثروبولوجيا ربابة عرب الجزيرة، وكذلك كتاب صدى الأشواق كما أنه قام بالإشراف على: ديوان الأمير عبد الله الفيصل رحمه الله، وكذلك ديوان الأمير سعود بن بندر رحمه الله وديوان الشاعر مطلق الثبيتي - رحمه الله- وغيرهم من الشعراء، كم له عدة كتب تحت الطبع مثل: حكام الرياض، وكتاب العمد وكتاب الوجد والناقة وكتاب مفردات الإبل.
اتسم شعره بالجزالة وسعة الخيال، فهو دقيق الوصف وجميل الرصف، قوي العبارة وصادق العاطفة وعميق المعنى وغزير الإنتاج، أبياته ممتلئة بالحكمة والحنكة ومكتنزة بالوجدان، نظم في مختلف فنون وأغراض الشعر الشعبي، وله العديد من القصائد في الفخر والمدح والرثاء والغزل والوصف، فسنبحر معا بتلك التجربة الشعرية بين النور والبلور وبين سنابل الإبداع وحقول النعناع ونعايشها حضورا وحبورا، ونحلق في فضاءات حرفه ومنارات رؤاه.
يقول شاعرنا راشد عن الأم مبينا علو منزلتها وسمو قدرها:
أمي لها فـي مهجة الروح منزل
ما قبلها.. ولا عقبها.. أحدٍ نزل بــه
ويقول أيضا بها:
اغليك يا تراب لثم جبهة أمي
واسقيك من خمر الغلا نشوة الكيف
ويقول في مرثيته بالأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله:
يضحك حجاجه ضحكة الحي للحي
لولا الكفن مدوا له الخط يقراه
تقول كنه سالم ما حصل شي
للموت نور في ملامح محياه
ويمتلك شاعرنا راشد بن جعيثن خيال خصب وسعة أفق وتراكم ثقافي كبير، ساعده في رسم صور شعرية مجردة تتراسل الحواس فيما بينها للوصول لدلالة العميقة الأنيقة التي شكلها مثلما في قوله:
قلط بقهويك شعري فاحت دلالي
اقدع قصيده وخذ فنجالها صوره
صافح كفوف المعاني واقف اقبالي
قصيدتي فيك مختاله ومغروره
ما بيك تاقف وراي وتجرح اظلالي
اقف بعين بها صورتك منثوره
فلنتمعن في هذه الصور المجردة (بقهويك شعري) (اقدع قصيده) (صافح كفوف المعاني)
(قصيدتي فيك مختاله ومغروره)
(تجرح اظلالي)
ومن خلال هذه الومضات نحظى بتقنية إيحائية ودلالات شعرية استخدمها الشاعر راشد بن جعيثن، بأسلوبه السهل الممتنع في تركيبه للمشهد التصويري الذي كتبه لنا بكل روعة وإتقان، ويقول في قصيدة أخرى:
العيون اندى ينابيع الحقايق
خلها تحكي لي اسرار الزمان
فلازالت تجربته الشعرية تحفل بالعديد من القصائد الرائعة، والتي أصبح المتلقي يعايشها بذاكرة متأججة حية خالدة من خلال تجربة واعية وعميقة يسطرها بحسه، ويضفي عليها فلسفته ورؤاه المنبثقة من ثقافة واسعة شاسعة يانعة يقول في أحد قصائده:
لو بغيت اضحك واسولف مع الناس
عيت العبره تفارق عيوني
حبك علي عيني وقدرك علي الراس
ما غليت غيرك من البشر يا فتوني
وكذلك هذه القصيدة المتأججة حزنا ومزنا، وحضور وجداني أخاذ:
ارجوك جفت دموعي لاتبكيني
يكفيني اللي من الهجران قاسيته
ياما من الدمع لأجلك هلته عيني
لوحيت طاريك غالي الدمع هليته
فالمتتبع لتجربة الشاعر راشد بن جعيثن الشعرية يجد أن حضوره الشعري ينساق في بناء متكامل ووحدة عضوية وموضوعية ودقة تصويره للمشهد الشعري الذي يطرحه لنا دونما تكلف فلنتمعن في قوله:
حبك غدابي فوق كف المقادير
لعيونك اللي تجرح الليل بنعاس
ضاعو بضي الخد كل المسايير
كنك لحالك مقبلٍ ما معك ناس
كما أن أسلوب شاعرنا راشد يوحي بسليقة لغوية ترتوي من ثقافة واسعة مستثمار أدواته الشعرية التي تنساب في نصوصه عذبة شجية ندية:
مايمسح الدمعه على خد مجروح
الا مناديل الندم من سببها
حب الحبيب اللي على غير مصلوح
مثل الذي يمسح سطورٍ كتبها
وعبر اللغة الباسقة الوارفة المكثفة يجد المتلقي أنه في فضاء شعري رحب ومناخ لغوي عذب عبر أفكار ورؤى تسر المتذوقين شعرا وشعور يقول ذات وجدان:
انته حبيبي بين كل المخاليق
يا مصدر البسمه بعمري والالهام
لاغبت عني ساعة صرت في ضيق
واشوف أنا الساعه تساوي لها عام
استطاع شاعرنا راشد في توظيف اللفظ في سياق شعري أخاذ دون تصنع فهو يمتلك تجربة غنية معنى ومبنى ومغنى:
عطني أمل وأصبر مدا العمر كله
أقول باكر نلتقي وأقهر الياس
ولو انك ابعد من نجومٍ مطله
أدله الخاطر واسولف مع الناس
وباعتبار أن الصورة الشعرية دورا بارزا في جذب المتلقي لمناخ النص وركن أساسي لنجاح القصيدة، وتميزها شكل لنا شاعرنا صور ذهنية وحسية ومجردة، كما أنه رسم لنا تلك الصور المشخصة مثلما في قوله:
حظ الجروح اللي تجي منك فيني
احبها واستغفر الله لها دوم
أنا ادري انك يا حبيبي تبيني
تغار والغيره لها حق وسلوم