الدين الإسلامي الحنيف سبق النظم الحديثة قروناً في إقرار حقوق الإنسان والديمقراطية والعدل والمساواة دون أن يفرق المجتمع إلى أحزاب كل حزب بما لديهم فرحون ؛ فصلحت به المجتمعات، وحل به السلم والأمن الاجتماعي والاقتصادي بل الإنساني في مجتمعات كان فيها الرق؛ فتحرر الإنسان من العبودية، وأصبح سيداً في الأوطان، ولم يعد هناك فضل لعربي على أعجمي أو لأبيض على أسود إلا بالتقوى، لكن يأبى البعض إلا أن يفسد علينا سلمنا وأمننا الاجتماعي ببث نوازع الفرقة والتناحر؛ ليفرق المجتمع الواحد، وأبناء البلد الواحد.
وحقيقة، يصدم المرء لحال المسلمين؛ مرة يُتهمون بالتخلف، وأخرى بالإرهاب، وما آل إليه حالهم من التشرذم والفرقة وما يدور بينهم من اقتتال بين أبناء الوطن الواحد. تذكرت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَهَرِ والحُمَّى».
وبالرجوع إلى معاني هذا الحديث الشريف وجدتنا أبعد ما نكون عما يبتغيه لنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في السلوك والتطبيق، والتفرقة بين المسلمين هي من عمل الكاره للإسلام، وهذا شأن الطغاة الذين يبثون الفرقة بين المسلمين؛ ليتفرقوا إلى تقسيمات فرعية كثيرة تحت أسماء متعددة.
ولكي يتحقق ما يهدف إليه هذا الحديث الشريف يجب أن يكون الانتماء إلى مجموع المؤمنين، وليس إلى فرقة أو جماعة بعينها، فإن لم تشعر بمعاناة أخيك المؤمن المسلم فلست بخير في اعتقادك، فالإنسان أدرى بحقيقة اعتقاده، بدليل قوله عز وجل بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره (القيامة - 14، 15) وقوله تعالى: إن تصبك حسنة تسؤهم (التوبة - 50) وقوله تعالى: وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها (آل عمران - 120). ولن تتحقق العزة للمسلمين إلا بالعودة إلى وحدة الصف ووحدة الهدف وأصول الاعتقاد، فالانحياز إلى فئة دون أخرى هو في حد ذاته بُعد عن الإسلام ووحدة الصف.
فاعمل أخي المسلم المؤمن الذي حسن اعتقاده فحسن عمله على جمع الشمل وإحلال الوئام بين المسلمين في مجتمعك الصغير؛ لينتشر الحب والوئام بين المجتمع الكبير، أما ما نراه من فرقة وتناحر وتباغض بين المسلمين وأبناء المجتمع الواحد الآن فينطبق عليه قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (الأنعام - 65).
أسأل الله - عز وجل - أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يجمعنا على كلمة سواء، وأن ينزع ما في صدورنا من غل، وألا يجعل لإبليس أو لجنده سلطاناً علينا، وأن ينشر بيننا المحبة والسلام والوئام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.