منذ أن بدأ ليوناردو دا فينشي يرسم خربشات تجسّد آلات طائرة في مفكرته، استقطب قطاع الطيران أفكاراً جريئة وموجّهة نحو السماء الزرقاء.
ولكن منذ إلغاء قيود الطيران في العام 1978، قامت شركات الطيران في الولايات المتحدة بكل ما كان دا فينشي ليطلبه منها – باستثناء در الأموال.
وفي الفترة الممتدة ما بين 2001 ونهاية 2008 مثلاً، أشهر ما لا يقلّ عن 15 شركة طيران أمريكية إفلاسها. لكنّ أمراً مفاجئاً حصل في محيط العام 2008، إذ شهدت شركات الطيران تحسناً مفاجئاً في أدائها. وخلال السنوات القليلة الماضية، باتت حصيلة الأرباح إيجابية في أرجاء القطاع كافّة.
ما الذي حصل؟ لا يمكن تعليل التحوّل الحاصل بمبادرة جريئة على طريقة دا فينشي، على غرار استحداث طائرات جديدة من ألياف الكربون، أو ريادة أسواق جديدة، أو حتّى الإقدام على ابتكارات متدنية التكلفة. والواقع أنّه حصيلة أمر أكثر تواضعاً بكثير، تمثّل بتجزئة العروض الأساسية لشركات الطيران إلى «خيارات وإضافات» مصمَّمة تحت الطلب. وكانت رسوم فحص الحقائب أشهر هذه الخيارات. إلا أن معظم الابتكارات الحديثة ركّز إلى «الارتقاء بمقام» الركّاب ليعيشوا تجربة أُدخِلَ عليها تحسينات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخطوات التي اتخذتها شركات الطيران لتنقذ نفسها معروفة باسم «الإستراتيجية الجانبيّة» – وتتمثّل بتحقيق أرباح إستراتيجية بفضل قيمة عملاقة تُرصَد إلى جانب الأعمال الأساسية من دون أن يتمّ استغلالها، إلا أن شركات كثيرة تفوّتها بسبب تركيزها الشديد على تعزيز أعمالها الأساسية.
وقد تعني الإستراتيجية الجانبيّة إما رصد الأرباح من منتجات ملحقة (على غرار توفير مساحة إضافية للقدمين أو وجبات على متن الطائرة) أو فصل منتجات أساسية عن حزمة العرض الأساسي، وإدراجها ضمن مجموعة من المنتجات الملحقة ثمّ اعتبارها من الخيارات (على غرار رسوم الحقائب).
وعند تعاملنا مع شركات، نطرح عليها السؤال التالي: أي إستراتيجية جانبية تعتمدون؟ وإن لم تكن لدى الشركة أي إستراتيجية جانبية، نعلمها بأن شركات كثيرة، ومن بينها شركات الطيران، أحرزت مكاسب كبيرة عندما اعتمدت إستراتيجية جانبيّة:
* تعمل دور السينما في مجال بيع بطاقات الأفلام، إلا أنّها تحقق القسم الأكبر من أرباحها منذ سنوات من بيع الفشار بأسعار مبالغة، ومن امتيازات أخرى تعزز تجربة السينما.
* توجّه سفن الرحلات قسماً كبيراً جدّاً من أعمالها عبر إدراج إضافات اختيارية وبيعها مسبقاً لضيوفها قبل موعد السفر.
* تدرّ شركات تأجير السيارات أرباحاً تراكمية كبيرة من خلال فرضها على عدد صغير من عملائها رسماً مقابل تعبئة السيارة بالوقود أو عرض تأمين إضافي.
* اكتشفت المصارف التي تقدّم خدمات للأفراد طرقاً متعددة لفصل عناصر من عروضها الأساسية التي لا يحتاج إليها الجميع، ومن بينها إعداد الشيكات.
وقد تكون هوامش الأرباح عالية جداً مقابل العروض الجانبيّة، فتوفّر الدعم للموارد القائمة وللعملاء المأسورين، الذين غالباً ما يكونون أقل تأثراً بالأسعار. إلى ذلك، بات رصد الملحقات التي تحقّق أرباحاً جانبيّة أسهل من أيّ وقت مضى بالنسبة إلى الشركات.
ومن المعلوم أن التكنولوجيا زادت إلى حد كبير القدرة على استحداث الخيارات المرافقة لمعظم العروض الأساسيّة. والأمر بكل بساطة هو أننا بتنا نعرف المزيد عن عملائنا اليوم، بفضل القدرة على رصد أحجام هائلة من بيانات التسويق، وضغطها، ووضعها بين أيادي موظفين يقفون في خط الطليعة.