ما جئتكم من سبأ ولا جئت بنبأ عظيم.
فلا ترسموا علامة الدهشة على وجوهكم ولا تفغروا أفواهكم غرابة مما أتيت، لأن ما جئت به لا يبعد عن جوانب حياتنا وتعاملاتنا مع بعضها البعض.
وإن كانت مثل هذه الأمور بالنسبة للبعض، لا أهمية لها، ولا تعني لهم الشيء الكبير الذي نقطع دابر الوقت ثرثرة عنها، أو نبسط مساحات السطور لها.
فماذا نسميها؟ إن شئتم تسميتها اقتراعاً أو شئتم تسمية عشوائية، فهذه هي بعض تصنيفاتها:
مأزق في التعامل مع الآخرين.
- مأزق في التعامل الأخلاقي.
- مأزق في التعامل التبادلي.
وكلمة مأزق تعني الشدة، الضيق، الأزمة، بترادف المعاني بنفس السياق واقربها للوصف أزمة، على اختلاف التصنيفات، والمسميات السابقة بعض منها.
بحسب فلسفتي للتعريف بمآزق التعامل مع الآخرين، تبدو تلك المآزق كلحظات متأرجحة لتحديد سمات شخصية ما في أساليب تعاملها مع الآخرين، وفي الوقت نفسه تسفر عن وجهها الآخر.
قد أعقد معك أيها القارئ اتفاقية دائمة لهذا الرأي، وقد لا نتفق فيحتفظ كل منا بوجهة نظره، واختصاراً لمجريات الجدل، إن مرجع تلك الاتفاقية أو ذلك الخلاف يعود للأنماط البشرية التي تمثلنا، وبمعنى آخر يعود لأخلاقيات تعاملاتنا مع الآخرين، رغم ترديدنا المقولة الشائعة، عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك.
وهي التي ما عادت تجدي، لأن الناس تتعامل بالأنانية واللامبالاة، أو لتحقيق مآربها، وليس على أساس ما تعامل به، حتى استمرأت العبور فوق مشاعرك والضغط على معنوياتك، وقدرت لك قياس النسبة على حسب الأنانية وحسب المآرب، إما ارتفاعاً أو انخفاضاً أو المتوسط بين الاثنين.
خذ مثالاً في اللامبالاة: تتفق وأحدهم على موعد مخصوص، لشيء مخصوص، ثم يخلف موعده معك، ويكابد نفسه عناء الاعتذار أو إبداء الأسف والحسرة، بل تمادى في الغي يجابهك بأعذار واهية.
ومثال آخر على المآرب: أحدهم لحاجة لديك يبحث عنك بكل الوسائل الممكنة، لتعينه على أمره، وانقضت حاجته فدفن وجهه في التراب هرباً منك فأنت الآن بحاجته.
أذكر أنني في يوم واحد فقط، اضطررت لتكرار آية العهود والمواثيق على مسامع ثلاثة أشخاص لأجل، اللامبالاة الإنسانية، الاستهتار المعنوي بالآخرين، فقد القدرة على حمل عبء الالتزام بالوعد، ولكن لم أستطع أن أسمع حياً.
تتسع الأمثلة في هذا السياق مقارن بأنماط البشر، وبالقابضين على قيمهم ومبادئهم، لكن تضيق المساحات الورقية لذكرها.
شتان ما بين الإنسان قديماً والإنسان في وقتنا الراهن، فالأول يطلق الكلمة عاقداً أمره على تحمل مسؤوليتها، والثاني يطلقها اعتباطاً وهو لا يعلم من أمرها بأكثر من أنها مجرد كلمة، وربما نسي أنه نطق بها، لذا لا تجده يبالي بما تخلفه من آثار معنوية لدى الآخر، فهو لم يهتم لأمرك ليحافظ عليها ولا لأمر نفسه فيتحمل عبأها.
مما قيل: إن الإنسان موقف، وآراه موقفا مشرفا يضاعف رصيده لدى الآخرين، وموقفا غير يخلخل ثقتهم به، أيعني ذلك تصدير دعوة لترشيد التعامل مع الآخرين. ولا تستطيع مجاراتهم بالتأقلم معهم، فليس أمامك سوى اتباع دعوة ترشيدهم الآخرين والحد منهم.