ذات يوم غير بعيد، زأر أسود طالبان، أو وحوشها، وأقسموا أيمانا مغلظة أن ينتقموا، وهم لم يفعلوا ذلك لينتقموا من أعدائهم من عتاة الرجال، ولكن من طفلة بريئة لا تزال في بدايات حياتها، اسمها ملالا يوسف، فقد ارتكبت هذه الطفلة جريمة منكرة في نظر الطالبانيين، فهي تطالب بتعليم الفتيات في المقاطعة التي تسكن فيها في شمال غرب باكستان، وقد وفى الأشاوس بوعودهم، فانطلق أشقاهم، وأطلق رصاص رشاشه على رأس تلك الفتاة التي لا يتجاوز عمرها السادسة عشرة!!، ولك أن تتخيل منظر وحش مسلح، وكريه، في مواجهة طفلة مرعوبة، وقد قيض الله لملالا منظمات خيرية من بريطانيا، فتم علاجها هناك في أرقى المستشفيات، وتمت رعايتها مع عائلتها لمدة طويلة، حتى تم شفاؤها، ولا زال أشقياء طالبان يتوعدونها، ويتوعدون عائلتها بالقتل، بعد فشل محاولة القتل الأولى، وهل يجيدون صناعة مثل القتل، على أي حال؟!
ملالا، والتي تتميز بالذكاء، انطلقت بعد ذلك في كل أرجاء المعمورة، وقد نالت جوائز عديدة، من بلاد كثيرة، وتم ترشيحها للفوز بجائزة نوبل للسلام، وما أدراك ما جائزة نوبل، هذه الجائزة التي تحمل إرثا ضخما من الاقتران بأدران السياسة، وما دخلت السياسة في شيء إلا أفسدته، ويبدو أن هذه الجائزة الراقية غاصت عميقا في وحل السياسة، خصوصا في السنوات الأخيرة، ولا يراودني شك بأنها اذا ما استمرت على هذه الوتيرة، فإنها ستفقد الكثير من رونقها، و»برستيجها» الراقي، فقد تم منحها لمن لا يستحقها في مرات عديدة، وهذا ما حدا ببعض الفائزين بها لرفضها، وقد كتبت مقالا مستقلا عن هذا الموضوع قبل فترة قصيرة.
انتظر العالم بأسره فوز الشابة ملالا يوسف بجائزة نوبل للسلام لعام 2013، وحبسوا أنفاسهم طويلا قبيل إعلانها، ولو تم منحها لها، لربما استعادت الجائزة بعضا من وهجها، وإثارتها. هذا، ولكن السياسة أبت إلا أن تواصل تدميرها الممنهج لسمعة الجائزة، فقد تم منحها لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية!!، ويا للمصادفة أن يتم ذلك، بعد كل ما دار حول الملف السوري، والذي بدأ بتهديد نظام الأسد بعمل عسكري جبار يقضي عليه للأبد، وانتهى بصلح، يقضي بأن تتولى هذه المنظمة تدمير اسلحته الكيماوية، وهذا يعني أن هذه المنظمة استحقت أعلى جائزة عالمية نظير مساهمتها بتنفيذ الأمر، ولا يضيرها، ووراءها العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة، أن جار سوريا القريب يملك أضعاف أضعاف ما تملكه سوريا من السلاح الكيماوي، ومجموعة من القنابل النووية تكفي لتدمير الكرة الأرضية في لمح البصر، فكل هذا لا يهم طالما أن تدمير سلاح سوريا سيجلب السلام، والوئام للعالم بأسره!، وهكذا هي لعنة السياسة، القادرة على تدميركل القيم، والمبادئ التي تقوم عليها أرقى الجوائز العالمية، ولتلخيص الأمر، نقول: إن بشار الأسد وافق على تدمير أسلحته الكيماوية، وسط حالة فرح عالمية، ومن ثم بدأ مشروع تدمير الأسلحة، ثم فازت المنظمة التي تتولى ذلك بجائزة نوبل للسلام، وهنا نتساءل عن ماهية الفائز الحقيقي بالجائزة : منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أم بشار الأسد؟!