أكاد أجزم أنه لا يوجد مرض يثير قلق معظم النساء مثل سرطان الثدي؛ برغم أنه لا يعد الأكثر خطورة حيث يسبقه سرطان الرئة فهو يعتبر الأول، كما أن أمراض القلب الأكثر فتكاً بالنساء. ويبرز خوف السيدات من سرطان الثدي لأنه الأشد تهديداً لحياتهن وهو السبب الثاني لوفياتهن، خصوصاً بين سن 40 و55 عاماً.
ولسرطان الثدي تأثيرات نفسية على المرأة، سواء في مظهرها أو شعورها حيال أنوثتها، وبرغم تلك المخاوف إلا أن هنالك تفاؤلا كبيرا في السيطرة على انتشاره، وقد أحرز الأطباء تقدماً ملحوظاً في التشخيص وتحسين قدرة العلاج وبالتالي كبح جماح المرض، وتبعا لذلك تضاءلت نسبة الوفيات وتحسنت نوعية الحياة لكثير من النساء المصابات به.
ومع التسليم بأهمية اكتشاف المرض بوقت مبكر مما يساعد على الشفاء بإذن الله؛ إلا أن ما يؤسف له أن الإجراءات الوقائية والكشف المبكر للورم مازالت غير مفعلة في المملكة بالشكل الصحيح. ففي بريطانيا - مثلا - هناك كشف سنوي للنساء فوق الأربعين لتفادي تطور الورم - إن وجد - مما رفع نسبة الشفاء إلى 83%.
أما في المملكة فهناك ضعف شديد في البرامج التوعوية والحملات التعريفية فضلا عن جهل بعض النساء؛ مما رفع نسبة الوفيات إلى80% وهي أعلى نسبة في العالم.
ولعل من أسباب حصول المرض إهمال الرضاعة الطبيعية، حيث تعد من أفضل سبل الوقاية، وللعامل الوراثي دور في الإصابة به لدى نسبة كبيرة من السيدات، كما أن الضغوط النفسية والغضب والتوتر له ارتباط مباشر بحدوث خلل في بعض الهرمونات والأنزيمات الداخلية، إضافة إلى استخدام أنواع من حبوب منع الحمل، وكذلك الأنظمة والعادات الغذائية غير الصحية، ومنها تعاطي الدهون بكثرة، ولعل من أحدث الدراسات ما تم نشره بهذا الخصوص من تأثير تناول شرائح البطاطس المحمرة، حيث زادت النسبة بمقدار 27% للفتيات اللاتي يتناولن هذا النوع من الأكل.
وبينما كان يتم تشخيص سرطان الثدي في مراحل متقدمة فلم يكن ثمة طريقة للعلاج سوى استئصال جذري للثدي مع العقد اللمفاوية تحت الإبط والجلد والعضلات، كما كان العلاج الكيماوي يدوم سنة كاملة، بينما حاليا يتم الكشف غالبا في مراحل مبكرة بفضل التصوير الإشعاعي وباستخدام الموجات الصوتية والماموغرام، لذا فمن النادر استئصال الثدي ويكتفى باجتثاث الورم فقط واستخدام العلاج الإشعاعي والخضوع لعلاج كيميائي أقصر.
وفيما كان يعتبر تشخيصاً مشؤوماً كونه مرضاً خطيراً وقد يكون مميتاً؛ فإنه -ولله الحمد- تحول لكشف دوري ولم يعد صدمة كبيرة لمن تصاب به نظرا لتطور تقنيات العلاج. لم يبق على السيدات إلا التوجه للمستشفيات والكشف الدوري للاطمئنان فحسب، وأمامهن العافية إن شاء الله.