أشرنا في الحلقة السابقة إلى المبحث الذي عقده الدكتور سعد الصويان في كتابه القيّم (الشعر النبطي) إلى تسمية الشعر النبطي, ونقلنا رأيه في سكّ هذا المصطلح, وفي التعريف الخاطئ لكلمة (نبطي) الذي ذكره المرحوم محمد ابن بليهد في كتابه (صحيح الأخبار), ومتابعة خالد الفرج له في مقدمة كتابه (ديوان النبط).
ويرى الدكتور الصويان أن ابن خميس الذي (اهتدى إلى أن الأصل التاريخي للشعر النبطي هو الشعر الجاهلي) رأى أن خير أسلوب لنقض نظرية ابن بليهد القائمة على تفسير تسمية (نبطي) بأنها نسبة إلى الأنباط, هي تسميته (الشعر الشعبي).. وكان في كتابه (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) قد حاول تفسير كلمة (نبطي) وذكر أنها إما مأخوذة من الاستنباط (فكأنهم استنبطوا هذا اللون من الشعر استنباطاً, أو أنها من باب الشية والعلامة؛ فكأنها علامة على هذا اللون من الشعر.. أو أنها مأخوذة من الأنباط؛ وهم جيل من الناس معروف تاريخهم، وليسوا بعرب) لكنه يعقب ويقول (وإذا سمع الغيارى على لغة الضاد هذا اللون من الشعر سموه شعراً نبطياً استهجاناً واستهزاء).
وقد رفض الدكتور أحمد الضبيب -كما يذكر الصويان- تسمية ابن خميس لهذا الشعر بـ(الشعبي), واقترح أن يُسمى (الشعر البدوي) لأسباب تعود إلى محتواه وإلى أنه (عُرف به عند أهل المشرق منذ أيام ابن خلدون) بهذا الاسم، أما شفيق الكمالي فيرى الدكتور الصويان أنه أول من نبه إلى أن نبطي تشير إلى عامية اللغة وأنه لا يقصد بها النسبة إلى الأنباط, ويرى الدكتور سعد أن ابن خميس تبنى هذا الرأي فيما بعد على الرغم من هجومه العنيف كما يقول على كتاب شفيق الكمالي (الشعر عند البدو) لأنه يرى أن كثيراً من محتواه وشواهده مأخوذة -بلا عزو- من كتابه (الأدب الشعبي في جزيرة العرب) أما الشيخ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الذي أفاض في مناقشة هذه التسميات في مقدمته للأجزاء الأول والثاني والرابع من موسوعته ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد وفي مواضع أخر من كتاباته المتناثرة عن الموضوع, فاعتراضه -كما يقول الدكتورالصويان- على «شعبي» و»بدوي» أشد من اعتراضه على «نبطي» التي يقف منها موقفا ليّنا مهادنا وإن كان يرجح استخدام «عامي», قال أبوعبدالرحمن (كانت النبطية عند اللغويين مرادفة للعامية وهذا سبب راجح كاف متعين الرجحان في تسمية هذا الشعر الذي فسدت لغته شعراً نبطياً). ويناقش الدكتور الصويان رأي ابن عقيل في تسمية هذا الشعر بـ(العامي), وحججه العقلية في عدم كفاية مصطلح (النبطي) لأن يكون علماً على هذا الشعر. وينكر الدكتور علي ابن عقيل نفيه حدوث المواضعة على اختيار مصطلح (النبطي), ويرى أن المواضعة (قائمة فعلا بحكم قدم المسمى «يقصد الاسم» نبطي وشيوعه بين الأقدمين والمحدثين).
ويرى الدكتور الصويان خلافاً لما يراه ابن عقيل أنه لا أجمع ولا أمنع من مصطلح (النبطي), لأنه الوحيد الذي لا يحتاج إلى إلحاقه بعبارات تفسيرية أخرى توضحه, فإذا قيل (الشعر الشعبي) وهو ما اختاره ابن خميس فإنه يحتاج إلى إضافة عبارة (في جزيرة العرب) ليتم تحديده كما فعل في عنوان كتابه, و(الشعر العامي) وهو ما اختاره ابن عقيل يحتاج إلى توضيح بأنه (بلهجة أهل نجد) وهو عنوان كتابه.. وهكذا. أما مصطلح (الشعر النبطي) إذا أطلق فإنه ينصرف فوراً بلا توضيح إلى المقصود. ثم يقول (وليس الخلاف حول أصل التسمية واشتقاقها وملاءمتها للمسمى مقصوراً على الشعر النبطي.. المطلع على الدراسات العربية في ميدان الأدب الشعبي يلاحظ أن الكاتب عادة حينما يحاول تحديد مادة بحثه واختيار مسمى لها يجد نفسه محتاراً بين ثلاث مسميات هي عامي أو شعبي أو المسمى التقليدي المستخدم محليا مثل نبطي أو حميني أو زجل أو ملحون، إلخ. وقد يلجأ البعض إلى المسمى المحلي تحاشياً لما في استخدام عامي أو شعبي من فضفاضية وعمومية ولأن المسمى المحلي يحدد بالضبط إلى أي منطقة من مناطق عالمنا العربي الكبير وإلى أي لهجة من لهجاته تنتمي مادة الدراسة).
ثم يضيف إلى مبررات عدم جواز إطلاق مصطلح (الشعر العامي) على هذا الشعر وغيره من الأشعار التي تنظم باللهجة العامية في الأقطار العربية الأخرى كـ(الحميني) و(الزجل) و(الملحون) وغيرها, مبررا آخر يتكئ فيه على رأي الدكتور عبدالله ركيبي الذي يتحفظ على استخدام هذا المصطلح لأنه كما يرى ركيبي يوحي بأن ناظم القصيدة وكذلك المتلقي أميٌّ من عامة الناس بينما نسبة كبيرة ممن ينظمون هذه الأشعار ومن يحرصون على تداولها هم من علية القوم ورؤسائهم ومن الطبقة المتعلمة.. إلخ.
ويرى أيضاً أن مصطلح (الشعبي) له مدلولات اجتماعية تجعل بعض الكتاب يتوجسون من استخدامها في الإشارة إلى المادة الشعرية التي يدرسونها لأن هذه المادة، على الرغم من عدم تقيد لغتها بقواعد الفصحى، ليست بالضرورة حكراً على عامة الناس وطبقات الشعب الدنيا في إنتاجها واستهلاكها. هذا علاوة على كون هذه الأشعار عادة معروفة الأصل والمؤلف, ويلعب التدوين دوراً أساسياً في حفظها وتداولها؛ ولو اقتصرت على الرواية الشفهية فقط لما انتشرت هذا الانتشار الواسع ولما عمرت هذه المدد الطويلة.