قرأت التوضيح الذي كتبه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز بالأمس في هذه الجريدة، حول ما جاء في مقالي عن تأسيس التلفزيون في المملكة، وتلفزيون الرياض تحديداً، وكان المقال بعنوان (وماذا عن سليمان الصالح يا دكتور؟).
أود في هذه العجالة أنّ أؤكد من باب الأمانة، وإحقاقاً للحق، أنّ هذه المعلومة التي وثّقها سموه في تعقيبه، ومؤداها أنّ جلالة الملك سعود - رحمه الله - وخلال ترؤسه لإحدى جلسات مجلس الوزراء بتاريخ 2-6-1382 هـ هو من اتخذ قرار إدخال التلفزيون، لم أكن أعلم بها إلاّ بعد أن قرأت تعقيب سموه؛ وإلاّ كنت كمن عناه الشاعر بقوله:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وأنا لا يمكن، وأبرأ إلى الله من أن أغيّر أو أحور في تاريخ الإنجازات الوطنية للروّاد الأوائل، فضلاً عن أن أنسبها إلى غير أهلها؛ غير أنّ كثيراً من تاريخنا - للأسف - ما زال لم يُوثق ولم يُنشر، وأغلب أحداثه بقيت في أضابير الدولة وأراشيفها مثل المعلومة التي أوردها سموه عن تأسيس التلفزيون. لذلك التبست على كثير من أبناء هذه البلاد، ناهيك عمّن هم خارجها، كثير من القضايا والأحداث التاريخية؛ وهذا ما يجعلني ألح على ضرورة أن يكون هناك مشروعٌ (وطنيٌّ) لكتابة تاريخنا وتوثيقه، وإخراجه من صدور المعاصرين وأراشيف الدولة إلى العلن؛ كي نستفيد منه حاضراً ومستقبلاً، وكذلك لكي نعطي كلّ ذي حق حقه، ولا تلتبس على أجيالنا المعاصرة وعلى الأجيال القادمة مثل هذه المعلومات مثل ما هي ملتبسة علينا الآن؛ فالبلد بلا تاريخ كالإنسان بلا ذاكرة.
وجلالة الملك سعود - رحمه الله - حين انتقلت إليه مقاليد الحكم بعد وفاة المؤسِّس الملك عبد العزيز - رحمه الله - كان بالفعل أول من أرسى أُسس (الدولة المدنية الحديثة) بالمفاهيم المعاصرة؛ يكفي أنه اتخذ القرار التاريخي الشهير لتعليم البنات في بيئة كانت حينها (متشدِّدة) لا ترى المرأة إلاّ أنها كائنٌ ما خُلق إلاّ للبيت والفراش؛ إضافة إلى أنه اتخذ القرار التنموي المحوري آنذاك وهو تأسيس أول جامعة تشهدها المملكة (جامعة الملك سعود)، رغم أنّ كثير اً من المستشارين حوله نصحوه بعدم تأسيسها لعدم وجود ما يُبرّر قيامها حينها، وإرجاء التأسيس إلى زمن لاحق، والاكتفاء بابتعاث الطلبة إلى الخارج؛ إلاّ أنه أصرّ على التأسيس، وهذا ما حصل؛ وهناك الكثير من المعلومات حول هذا الموضوع التنموي وتفاصيله سترى النور قريباً تضمّنتها سيرة الشيخ ناصر المنقور - رحمه الله - عند صدور العمل التاريخي عنه الذي يقوم بإعداده المؤرِّخ وكاتب السِّير المعروف الأستاذ محمد السيف؛ وقد روى لي الأستاذ السيف أجزاءً منه، تشهد بكلِّ وضوح كيف أنّ قضية التنمية بمفهومها الشامل كانت الهمّ الوطني الأول للملك سعود - رحمه الله -. وهذه الأعمال المدنية الرائدة سقتها في هذه العجالة على سبيل المثال لا الحصر.
بقي أن أقول لسمو الأمير: يعلم الله أنّ كلّ كتاباتي أينما وجدتها، أكتبها منطلقاً من روح وطنية خالصة، لا تُفرق بين أحد؛ ولو أنّ هذا التاريخ مكتوب وأغفلته كان حقاً لك أن تتهمني بأنني أميل مع (الهوى) كما جاء في تعقيبك ضمناً؛ أما وأنّ هذه المعلومة مازالت في أراشيف الدولة ولم تنشر، فلُمْ غيري يا سمو الأمير.
إلى اللقاء ..