في حالات من الدهشة، يسقط في يدك أن تحاكم نفسك: هل قصرت؟ هل فرطت؟ هل غفلت؟
أو فعل ذلك غيرك فيما يخصهم في مجتمعك! تلاحقك أسئلتك في لوم نفسك، وجلدها، وتحاصرك في زاوية الحساب، إن حدث واستيقظت من غفلة، أو وعيت على واقع..
حين تفيق على ابنك سارقاً، أو ابنتك متمردة، أو زوجك شاكية، أو على ظواهر في مجتمعك سافرة، نافرة، تشغلك وغيرك بغثها قبل سمينها.. من قريب منك، أو بعيد عنك.. وقد اختلفت بهم المسالك، وعليك الوجوه..
حين تكتشف أن ابنك الذي كبر، وخرج للمجتمع، يطمع في الذي لا يملك، مما هو عند غيره، بلا قناعة، ولا إيمان بأن الأرزاق شأن إلهي، وإن يسعى لها سعي «الوحوش» راكضاً..، فـ»رزقكم في السماء وما توعدون»..، وإن ذي الخلق أمين، قنوع، عفيف، نظيف، شريف، يغض النظر، ويكبح الشهوات فيما ليس له.. فلا يطمع فيه، ولا يسرقه، لا بيد تطول، ولا بيد تجول، لا بعين تتلصص، ولا بأذن تتنصت، جوارحه مهذبة، منضبطة.. تقف عند سيف خلق لا ينثلم حده..
وحين تكتشف أن ابنتك التي تمثل لك فيما تقول، وتفعل الوعي، والوداعة، والأدب، قد كشفت برقع الحياء، ونفرت بعنفوان سافر، تجترح باللسان ما يُخجل، بعيدة عن المعقول في ملبسها، وآرائها، وتطلعاتها، وعما كنت تحسب أنك غرست فيها، ووجهت إليها..
وحين تكتشف أن زوجك الوديعة الراضية، المؤازرة القانعة، الهادئة الباسمة، قد علا صوتها، وكشرت عن سخطها، انقلب بها ظهر المجن على وجه آخر، لامرأة لم تعتد لها صوتها الجديد، وكلامها المنفجر، وتعاملها المستجد، وسلوكها الطارئ.. وتجد أنك غريب في أهلك..
حين تكتشف أن من كنت تتعامل معهم في حياتك من فرد هادئ، مسالم، «كافيك شره»، ملوح لك «بخيره»، قد انقلب لك على وجه آخر لم تعهده فيه..!!
فتذهب تتساءل عن السبب، بل عن الأسباب!
حينها، هل ستغلق على نفسك بابا تندب فيه حظك؟ تولول فيه على ما مضى من هدوئك؟
أو ستفتح نوافذ كثيرة، وتطلق أجنحة أفكارك صوب كل مكنون من الدوافع، والأسباب؟
فتحاكم نفسك في جلسات صدق، ومصارحة، وجمع، وتفنيد، وأدلة، وبراهين، وتصور وتحليل، وتخرج بحكم عادل تبرئ فيه ذمتك، وتهب أولئك منهم صكوك البراءة..
أو سوف تقيم عليهم حدوداً أنت من يختارها؟ وتوقع عليهم منك عقوبة أنت من يقررها؟
تتدرج من التماس العذر، أوانتهاء إلى مشنقة البراءة منهم
كأيسر، أو كأقصى ما تختار من العقوبات!
أو تعود وحيداً إن حكمت عليهم بالنفي لتحثو عليك ذاتك تراب العزلة مع نفسك؟
ما الذي ستفعله؟!
في تيارات التغيير في كل شيء ماضية في سيرورتها الدائمة..
إن علاقتك بنفسك، وبابنك، وبزوجك، وبجارك، وبزميلك، وبالشارع، وبكل الناس..
وإن نهجك في التربية، والتنشئة، والتعايش، والرفقة، والجيرة، والزمالة أيضا يحتاج لتغيير يواكبها..
بل إن أسلوب، ومضمون، ما تقدمه وأنت تربي، وتؤسس، وتعلم، وتغرس.. تدعوك هذه التيارات لأن تجدده، ليتوافق، ويتكافأ معها، إن كنت تريد أن يؤتي ثماره..
تلك التي معها لن تفاجأ، ولن تدهش، ولن تقف في محمكة ذاتك!
أو بدون هذا ستفعل، كالذي سيفعله كثيرون في هذه المرحلة وبعدها!