تصحيح الإخفاق .. يبدأ بنا لا بالغير!
* من العيوب النفسية والسلوكية في بعض البيئات العربية وغير العربية، ظاهرة (إسقاط) الإخفاق في تحقيق غاية من الغايات على طَرَف أو ظَرْف خارجي، بدلاً من مواجهته ذاتياً اعترافاً به، لا تبرئة للذات منه! ثم البحث عن سبل وذرائع للنأي عنه وصولاً إلى تحقيق الغاية ذاتها! وتلك حيلة (لا شعورية) لصدّ الذات عن الاعتراف بالخطأ ناهيك عن تحمل تبعاته!
* * *
* ويقدم لنا القرن الماضي حالة مغايرة تماماً من حالات الفشل الخارق خلفه نجاح مبين، تلك هي حالة اليابان، التي تلقت بشجاعة وتضحية هائلتين (الزلزال) الذري الأمريكي الذي دمر اثنتين من مدنها تدميراً، هما هيروشيما ونجازاكي قبل أن تضع الحرب الكونية الثانية أوزارها!
* * *
* ورغم ذلك استطاعت تلك الإمبراطورية القابعة في أحضان المحيط الهادي، أن تنهض من كبوتها المدمرة، فتستعيد ثقتها وتعيد بناء كيانها الوطني، ثم تتحول عبر سنوات قلائل إلى قلعة صناعية وحضارية كبرى تتحدى منافسَةً كثيراً من الأمم الراسخة في العلم وتطبيقاته، فتصنع لنفسها هيبة جديدة ليس بالسلاح، ولكن بالعلم والصناعة والإنجاز، ولتفرض بذلك احترامها على من حاولوا بالأمس تمزيق كيانها تمزيقاً!
* * *
* ومثل هذا الحديث يقال عن حالة أخرى في قلب أوروبا، وهي ألمانيا، التي نالت منها حربان عالميتان ما نالت، تدميراً وتمزيقاً وشتاتاً، وانقسمت إلى شطرين متناحرين شرقاً وغرباً، ورغم ذلك، تغلبت على جراحها، فأعادت بناء نفسها وتأهيل كيانها حضارياً وصناعياً، ثم التأم شطرا البلاد في وقت لاحق بعد تقلص المد الشيوعي في أوروبا، لتزداد ألمانيا بانحساره قوة وثباتاً!
* * *
* وهناك أمثلة على مستوى الأفراد والجماعات في التعامل مع الفشل هروباً منه عبر (أنفاق) معتمة من التبرير للذات وتبرئتها، وإسقاط الإخفاق على طرف آخر!
فمثلاً:
* هناك شعوب وكيانات يعزو بعضها تعثّر برامج تنمية الإنسان فيها، أو غياب الأمن والرفاه لشعوبها إلى منظومة (الفكر التآمري) المسلّط عليها من خارج الحدود، ثم تتخذ من هذا الفكر غطاءً حميماً يستُر عوراتِها، ويتزر بأوزارَها، لتبقى هي بمنأىً عن الحساب والعتاب، بل قد توظف شماعة (العدو الخارجي) لاستدرار عطفِ أو تعاطفِ جماهيرها المغلوبة على أمرها.. ولتمرّر من خلال هذا العطف المزيدَ من الحماقات والآثام!
* * *
* وهذه زوجة (تسقط) شقاء حياتها الزوجية على الأقارب أو الجيران أو كثافة غياب الزوج عن المنزل! وقد تلوم (الأقمار الصناعية) لأنها (اختطفت) وقت وانتباه زوجها بصنوف البث المباشر وغير المباشر، فلم يعد يعيرها اهتماماً ولا وزنًا! وقد ينضم الهاتف الجوال إلى قائمة الأوزار!
* * *
* وهذا طالب يعزُو فشله في الامتحان إلى قسوة الأسئلة، أو قصور أداء المدرس أو بسبب (خروج) بعض الأسئلة عن المنهج المقرر، وقد يعزُو فشله لتلوث الجو الأسري داخل المنزل، خُلْفاً وخصاماً، ونحو ذلك!
* * *
* وهذا فريق كرة قدم ينسب إخفاقه حيناً للمدرب، ليكون (كبش فداء) يزيحُ عن أفراد الفريق كابوسَ الفشل ومعاناة المساءلة أو السؤال، وقد يُسند سبب الإخفاق إلى طبيعة أرض الملعب وتجهيزاته أو الطقس أو الإعلام الرياضي المضاد له ونحو ذلك. وغاية المراد أن يظل الفريقُ، رئاسةً وأفراداً، بمنأىً عن اللوم والعتاب!
* * *
* وهذا موظف يعلّل فشلهَ تارةً بسوء إدارة رئيسه، وأُخرى بغياب التعاون بين زملاء العمل، وثالثة بشح الحوافز أو غيابها أو الحيف في تطبيقها، ورابعة بكثافة العمل وغياب العدل في توزيعه، وغير ذلك من الأسباب!
* * *
وبعد..،
* تُرى.. لو كان كل منا موضوعياً مع نفسه قبل الغير.. وخصماً وحكماً لنفسه قبل الغير.. لكان لنا شأنٌ آخر بين الناس، ولكنَّا قوماً يصطفيهم الآخروُن قدوةً، ويحتذوُنهم مثلاً!
