بعد إنجاز مشروع القطار؛ ومنشأة الجمرات؛ وبدء تنفيذ توسعة الحرم وتطوير المساحات الملاصقة له؛ تتوجه الأنظار حاليا إلى تطوير منى؛ مزدلفة؛ وعرفات وبما يتوافق مع الاحتياجات المتجددة.
يبدو ألا مناص من استغلال المواقع الجبلية في منى لخدمة الحجيج؛ وتوفير مواقع جديدة لهم. تمدد نشر الخيام في المواقع الملاصقة لمنى؛ أسهم في توفير مساحة إضافية استوعبت حجماً لا يستهان به من الحجاج؛ إلا أن تسوية جزء من جبال منى بقصد البناء عليها قد يوفر مساحات مهمة للإيواء. تجربة أبراج منى أثبتت كفاءة تشغيلية مهمة؛ وكنا نأمل في تطويرها لبناء مزيد من الأبراج في المناطق الجبلية غير المستغلة والتي لا يستطيع الحجاج الوصول إليها. الحكومة قادرة على طرح تلك المواقع للمستثمرين؛ القادرين على تنفيذها بكفاءة وتكلفة معقولة. ربط منى بالعزيزية من خلال قطارات ترددية محدودة سيساعد كثيرا في نقل الحجاج القاطنين في العزيزية والأحياء الأخرى إلى منى في أيام التشريق. دورات المياه باتت شحيحة في منى؛ وهي في حاجة إلى زيادة عددها وتطوير تصاميمها بما يتوافق مع العصر ويضمن النظافة والجودة العالية. تغطية منى بالخرائط الرقمية؛ وفق تقسيمات المخيمات؛ وإتاحتها في تطبيقات على الأجهزة الذكية سيقضي على الضياع ويوفر خدمة الإرشاد الإلكتروني ومعرفة مواقع الحجيج؛ وهذا سيساعد في إضافة خدمات أمنية تعتمد الشبكة الرقمية أساسا لها.
مشعر عرفات؛ من أهم المواقع التي تحتاج إلى التطوير السريع؛ استكمال طرق المشاه؛ وطرق الحافلات والقطار لا يعني التوقف عن التطوير. أعتقد أن آلية تعامل حملات الحجيج مع مواقعهم المخصصة لم تتغير منذ عشرات السنين؛ فهم يعتمدون على الخيم التقليدية؛ وتسوير المواقع بقطع الصفيح التي لم تعد تُرى إلا في عرفات. أقترح أن تعمل تصاميم حديثة لتغطية المواقع المتاحة للحجاج في مشعر عرفات؛ وأن يتم توفير نوذج موحد يتم تقديمه للحملات والمستثمرين الراغبين في الحصول على مواقع لحملاتهم؛ وبذلك نضمن تنفيذ مشروع عرفات وفق التخطيط السليم؛ والتنفيذ عالي الجودة دون أن تدفع الحكومة قرشا واحدا. المشاركة الفاعلة؛ بين الحكومة والمستثمرين المعنيين بشؤون الحج؛ يمكن أن تسهم في تطوير المشاعر بدرجة عالية من الكفاءة والجودة واختصار الزمن.
مشعر مزدلفة في حاجة إلى تطوير أكبر بسبب عدم وجود شبكات المياه والصرف الصحي؛ والكهرباء الخاصة بالمواقع. بقاء الحجاج فيه لليلة أو جزء منها؛ لا يعني إهماله عن التطوير وعدم توفير الخدمات. كل ما يحتاجه الموقع هو التخطيط الشامل وتوفير شبكة دائمة للمياه؛ الكهرباء؛ والصرف الصحي تمكن أصحاب الحملات من استغلالها حين تجهيز مواقع الحجاج. تهتم الدول الغربية بتوفير مساحات شاسعة للراغبين في التخييم وتكون مجهزة بوصلات الكهرباء والمياه والصرف الصحي؛ ومخططة بشكل متقن وجميل؛ الأمر نفسه يمكن تطبيقه على مشعر مزدلفة. الحواجز الخاصة بتسوير مواقع الحملات يجب أن تكون من النماذج الحديثة المتميزة بالشكل الجمالي؛ والمتصفة بالمتانة والخفة؛ وسهولة التركيب والإزالة. يمكن للجهات المسؤولة تحديد نوعية الحواجز وأشكالها ومن ثم إلزام أصحاب الحملات بها. يأتي الحجاج من جميع دول العالم؛ ويتوقعون أن يروا التجهيزات المثلى في المشاعر؛ التي توفر الخدمة المطلوبة؛ والشكل الجمالي؛ والتصاميم الحديثة المتوافقة مع العصر الحديث. لا مفر من دمج الخدمة بالجودة بالشكل المتميز الذي يعكس ما تبذله الحكومة من أموال طائلة في تطوير المشاعر.
معهد أبحاث الحج والعمرة يقوم بدور مميز في عمليات التطوير؛ إلا أن الأفكار الخلاقة قد تأتي من أفراد غير متخصصين ولكنهم معايشون للواقع وممارسين لمهنة الإيواء والتفويج في الحج. كما أن الإستعانة بالخبرات العالمية قد تفتح مسارات جديدة للتفكير والإبداع. قد تكون لدى مسؤولي حملات الحجاج مفاتيح التطوير الأهم للمشاعر. يمكن لورش العمل التي تقام بالمشاركة بين المعهد ورؤساء الحملات أن تسهم في تقديم اقتراحات متميزة لتطويرالمشاعر؛ على أساس أن أصحاب الحملات هم المتلقون للخدمات النهائية؛ وهم خير من يساعد في تطويرها. الاستعانة بالخبرات والمكاتب الاستشارية العالمية لوضع مخطط المشاعر الشامل لخمسين سنة قادمة وفق مراحل تطويرية مرتبطة بالحاجة؛ تشمل الحرم والمشاعر الأخرى؛ سيوفر لعمليات التطوير والتوسعة رؤية شاملة؛ وآلية محددة؛ لمراحل التطوير ونوعيتها وفق ما تقتضيه الحاجة؛ وهذا سيوفر المنهج الإستراتيجي الذي يعتمد عليه المطورون مستقبلا؛ وبما يقلل الهدر المالي؛ واستمرارية الأشغال؛ ويحدد بدقة الشكل النهائي للمشاعر والحرم المكي؛ ومراحل التطوير المرتبطة بالحاجة.
بارك الله في الجهود المبذولة؛ ورزق كل من ساهم فيها الأجر والمثوبة والرشاد.