كيف تنطلق قوافل التحرش في مدننا دون تدخُّل من بعض الدعاة الذين يرون في مضايقة النساء في الحياة العامة عملاً يتقرب به الشباب إلى الله؛ إذ يجبرونهن على القرار في البيت وهجرة الأسواق والطرقات؛ وبذلك يكون التحرش عملاً مندوباً ومأجوراً صاحبه؟
لقد تناقلت وسائل التواصل والإعلام دعوة بعض المحسوبين على الخطاب الديني السعودي، يتنادون ويستحث بعضهم بعضاً من أجل الخروج جماعات للتحرش بالنساء!
ذلك مخالفة صريحة لتوجيه رباني كريم، وذلك في الآية الثلاثين من سورة النور: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون}
وهل بعد هذا القول الفصل أي جدال، أي نقاش، أي بحث في المبررات والمسوغات.
النساء شقائق الرجال..
ما أهانهن إلا لئيم ولا أكرمهن إلا كريم..
إن مجتمعاً يحث بعض دعاته الشباب على التحرش بنسائه، ولا يضج عقلاؤه اعتراضاً واستهجاناً، ليُخشى عليه من أن يتحول إلى مجتمع مشوَّه، فهل فقدنا ملامحنا الأصيلة وقيمنا النبيلة؟
هل تركنا قول الله سبحانه وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصبح بعضنا أداة يلهو بها ثرثارو تويتر المتلحفون بالدين، يخفون السم الزعاف من الحقد والضغينة على كل مختلف عنهم، حتى لو كان ذلك باللون واللهجة، فإذا قرأت كيف يناقشون مخالفيهم فيما هو مختلف فيه وجدتهم يعادون الناس، ويحرّمون ما أحل الله، ويقولون من القول أقذعه، حتى لتشعر بأنك غريب، وأن الناس حولك ليسوا الناس الودودين المبتسمين الذين اعتدتهم في بلدك، في وطنك.
لقد قلتُ في مقال سابق: لو كنتُ مسؤولاً لألقيت القبض على كل من يحرّض على الاعتداء على الناس، ويجعل من نفسه دولة تُصدر التشريعات، وتأمر بالتنفيذ.
حري أن تعمل كل مؤسسات الدولة على أن تأمن النساء على أعراضهن في كل طريق، وفي كل مكان، بل في كل زاوية.
فالوطن عزيز وحر، وهو وطن النساء الحرائر والرجال الأحرار، وعِرْض النساء هو عِرْض الوطن، من مسهن بأذى كما لو مس الوطن؛ فهن بناته وأمهات رجاله.