هذه العبارة: (نصل إلى المحتاج قبل أن يصل إلينا)، جميلة، ولكن الحقائق تظهر أن المحتاج لا يصله أحدٌ، لأن المحتاج الحقيقي والمتعفف لا يعلمه الناس ولا الجيران ولا حتى وزارة الشؤون الاجتماعية، فهناك أسر بحاجة ماسّة للإعانة، ولو طَرَقت باب التسول لن يلومها أحدٌ، لكنها تحجم عن ذلك نتيجة التعفف والتستر، وغالبية أسرنا السعودية من هذا النوع، وقلة منهم ممن يقومون بهذا العمل علناً.
لقد ارتاحت وزارة الشؤون الاجتماعية، عندما وزعت المسؤوليات على أكثر من جهة، ولم تستطع الإشارة لهذه الجهات، وكأن وزارة الشؤون الاجتماعية في دولة مجاورة، حيث أشاحت الوزارة مسؤوليتها عن انتشار المتسولين على الطرقات، والإشارات الضوئية، وبين الأحياء، وقالت إنهم أجانب وبنسبة 80% وإن الأمر ليس مسؤوليتها وحدها ولا يعنيها.
الملفت للانتباه أن الوزارة تقول إنها مسؤولة فقط عن المتسولين السعوديين فقط، أما غيرهم فلا دخل لها بهم، وكأن نطاق المسؤولية وحماية الأمن الاجتماعي ليس من أبواب مسؤولية الوزارة، فكيف يكون ذلك وهي الوزارة المعنية بمحاربة التسول، بغض النظر عن سعودي أو غير سعودي، ولأن هذه المسؤولية أخلاقية ووطنية، والهدف منها حماية المجتمع والوطن.
تقول الوزارة إن 95% من المتسولين السعوديين استفادوا من خدمات الوزارة، والسؤال كيف يستفيد المتسول من الوزارة؟.. ويظل المتسول متسولاً إلى الآن، أين هي جهات المتابعة؟.. والوقوف على هذه الأسباب، هل هي الحاجة؟ أم أن التسول أصبح ظاهرة و (بزنس) من أجل المال، ولماذا تؤكد الوزارة على أن السعوديين بعد حصولهم على خدمات الوزارة يعودون إلى ذات الممارسة؟، رغم أننا دولة غنية، وإمكانات الوزارة ليست شحيحة؟!.
صحيح أن هناك تسول مناسبات، وبخاصة في الحج والعمرة، واستغلالهم لهذه المناسبات، لكن منذ سنوات ما زلت أشاهد تسولاً غير عادي دون أن يلتفت لذلك أحدٌ، فهناك زوايا داخل الرياض، وجدة وغيرها من المدن السعودية، يقطنها متسولون بشكل يومي، من الصباح حتى المساء، ولم نشاهد أي مراقبة للوزارة، لدرجة أني أشكك بمتابعة الوزارة لهذه الحالات!!.. فالسيطرة على مكان وافتراش الأرض، واستخدام الأطفال مقلق جداً، وديمومة الوضع تقلق أيضاً.
نطلب من معالي الوزير أن يرسل مراقبين إلى حي المؤتمرات قرب الحديقة الداخلية، بالطريق الواصل إلى التخصصي، وليتأكد معاليه أن المتسولين أصبحوا من معالم المكان، فإن غاب أحدهم أصبح أمراً ملفتاً للانتباه، خصوصاً لمن يمر بهذا المكان بشكل يومي، فطالما أن المتسول لا يجد من يضبطه أو يتعقبه، أصبحت عصابات المتسولين تنتشر في مدننا وشوارعنا ومكاتب مكافحة التسول آخر من يعلم.
لقد أصبح المتسول في دول مجاورة جزءاً من منظومة وعصابة منظمة، وهناك من يقوم بتوزيعهم في بلادنا في كل صباح، ويعيدهم في المساء، وهناك تأجير للأمكنة المهمة والمزدحمة، وهناك تجارة خفية تُدار أحياناً، ويقوم بها المتسولون كبيع المخدرات، والدعارة، وربما أيضاً القيام بعمليات استطلاع، ومراقبة، وسطو، وجريمة.
هل لدى الوزارة رؤية مستقبلية عن الفقر والتسول خلال السنوات العشر القادمة؟.. وانعكاساتها على الأمن الاجتماعي والوطني، وهل طالبت الوزارة، الوزارات الأخرى بضرورة التنسيق في ما بينها؟.. وهل شكّلت لجاناً من جميع الجهات للوقوف على هذه الظاهرة الخطيرة؟، والسعي إلى حلها بدلاً من وضع اللوم على الجهات الأخرى، وكأن الوزارة أعفت نفسها من المسؤولية، أين هي أدوات التثقيف ومحاربة هذه الظاهرة تربوياً واجتماعياً؟!.
نتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تعلن عن إحصاءات رسمية شاملة لقطاع الفقر في المملكة لأن هذا يساعد صانع القرار السياسي والاقتصادي على التخطيط التنموي، بدلاً من الخروج والتحدث إلى الإعلام ونشر خبر أو صورة عن ما تم إنجازه دون حل المشكلة، لأن هذا لن يجدي نفعاً، ويسهم معاً في تراكم ظاهرة التسول، لتصبح مع الوقت أداة هدم لا يمكننا معالجتها بسهولة.