كنت ماراً بسيارتي في طريق مزدحمة، وإذا بإشارة المرور قد آذنت بالعبور (خضراء) والسيارات عابرة وأنا معهم، وفجأةً توقفت السيارة التي أمامي وكدت أصطدم بها لولا لطف الله ورعايته، حيث انعطفت سريعاً وواصلت المسير فنظرت في المرآة ما الذي أوقف صاحبي فجأة ؟ فإذا بهن ثلاث فتيات كنَّ ينتظرن الإشارة لتتحول حمراء ليتجاوزن إلى ضفة الشارع الأخرى، ولكن صاحبنا لفرط (شفقته) و(حنوّ حسّه) ومراعاته (حقوق تلك الفتيات) كان منه ما كان.. ولو كان ما كان...
حينها جالت بخاطري - وأنا أقود السيارة - خاطرة، وقلت في نفسي: إنه مَثل حسي لأولئك الذين ينادون بحقوق المرأة، فصاحبنا الذي أوقف سيارته فجأة لو سألته عن تصرفه لرفع عقيرته مفتخراً أنه يراعي حقوق أولئك الفتيات ليعبرن الطريق، وتلك ـ مع حسن الظن ـ عاطفية لا عقل معها، إذ إنه غافل في تصرفه هذا عن مهمات:
1- أن أولئك الفتيات حقهن محفوظ فما عليهن إلا الانتظار دقيقة واحدة بل بضع ثوانٍ لتصبح الإشارة حمراء فيعبرن بأمان.
2- أن هذا التصرف وهو التوقف فجأة والإشارة خضراء يعرض السائرين في الطريق للخطر، كما حصل معي ومع غيري ممن فوجئوا بهذا التصرف والتوقف.
3- أن هذا التصرف يعرض أولئك الفتيات اللاتي من أجلهن حدث، يعرضهنّ للخطر أيضاً، لأن صاحبنا وإن توقف فلا يتيقن توقف من خلفه، وربما يكون مسرعاً فيصطدم به، وينتقل الاصطدام إليهنَّ.
كما أن صاحبنا وإن توقف فإن من بجانبه قد لا يتوقف، وهو الغالب في مثل هذه الحالات، فتقع أولئك الفتيات بهذا التصرف كمن يستجرهن للمهلكة.
إن بعض من ينادون بحقوق المرأة يشبه صنيعهم تصرف صاحبنا:
1- ينادون بحقوق المرأة ويتذرعون بذلك كما تذرع صاحبنا في تصرفه ونسوا وتناسوا أن حقها محفوظ فأرادوا أن يتجاوزوا بحقها كما يريد صاحبنا، فتمشي في غير أمان كما حدث لأولئك الفتيات ولو انتظر أولئك الفتيات حتى تصبح الإشارة حمراء ما احتجن إلى من يتوقف من أجلهن، وكذلك المرأة إذا التزمت بحقها الشرعي وهو حقها الحقيقي لم تحتج إلى أحد.
2- تصرفهم هذا يعرض المجتمع للخطر كما تعرضنا في الطريق للخطر جرّاء تصرف صاحبنا، وهكذا كل تعدٍّ للحقوق.
3- صنيعهم هذا يعرض المرأة التي ينادون بحقها للخطر، كما عرّض صاحبنا تلك الفتيات للخطر حتى وإن حملهم على ذلك العاطفة أو تظاهروا بها كما حدث لصاحبنا.
أخيراً قد يقول البعض: أنتم حين تتحدثون عن الخطر على المرأة كأنكم تَشُكُّون فيها !! ونحن نسألهم في مثالنا هذا: أترون مَـنْ يقول لها: انتظري قليلاً ولا يتوقف لها ليغريها بالمرور والسيارات مسرعة يشك فيها ؟!!