إن مما يؤسف له ويحز في النفس أن من بين أبناء المسلمين اليوم من هو يعطي بملبسه وهيئته وتمسكنه أعداء الإسلام دليلاً على أن الإسلام يحارب زينة الحياة ونعيمها، كما هم يدعون ويقولون مع علمهم بأن الإسلام هو الدين الصحيح وأن تشريعاته هي التخطيط السليم لعمارة الحياة وكرامة الإنسان وهم بذمهم للإسلام يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، هذه حقيقة يجب أن يدركها المسلمون كما يجب أن يعلموا أن الإسلام دين عني بصحة الإنسان ومظهره وكرامته وخلقه كما أمر المسلم بطاعة الله ورسوله وحذره عن معصيتهما، فلم يكن الإسلام دين ركوع وسجود وتهجد وعبادة فقط وإنما هو دين عبادة ومعاملة واجتماع، وبارك الإسلام كل تصرف وسلوك يرفع قدر الإنسان ويعلي مكانته في الحياة الدنيا ويظهره بالمظهر الكريم، ولكي يعلي الله مكانة المسلم في حياته فقد حثه على طلب العلم الذي هو مصدر الخيرات ومنبع الطيبات فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (سورة الزمر، 9)، وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (سورة المجادلة، 11)، وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (سورة العنكبوت، 43).
فهذه الآيات البينات تؤكد أن العلم فريضة من فرائض الإسلام لأنه أساس متين من أسس بناء الدولة ولن تسود أمة بغير العلم، وصدق من قال:
هل العلم في الإسلام إلا فريضة
وهل أمة سادت بغير التعلم
ولذا فإن من فهم أن الدين الإسلامي يزهد في الحياة ونعيمها المباح فهو جاهل بما أحله الله من الطيبات، سواء أكان ضرورياً أو كمالياً، وأما المسلم المؤمن الواعي فهو يميز بين ما أحله الله للإنسان في حياته، وبين ما حرمه عليه وذلك من خلال ما ورد في كتابه العزيز مما أباحه الله وما حرمه كما جاء ذلك في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة الأعراف، 32-33)، إن هذه الآيات البينات دستور للمسلم يحدد له مساره في الحياة ويرسم له حدود أقواله وأفعاله لا يخرج عن صراط الله المستقيم، وهو الصراط الذي أمر الله عباده المؤمنين بأن يسألوه الهداية إليه فقال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (سورة الفاتحة، 6)، ولو كان الإسلام يحارب نعيم الحياة وزينتها لما سمى الله المال خيراً وهو أساس الزينة ومنبع النعيم حيث قال عز وجل: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (سورة الكهف، 46)، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (سورة البقرة، 180)، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (سورة العاديات، 8)، والخير في الآيتين هو المال فلو لم يرد الله تعلق المسلم بالمال لما فيه من إصلاح الحياة وتعميرها لتكون مستقراً صالحاً لعبادة الإنسان لخالقه لما سماه خيراً، ولهذا فإن من فهم الدنيا على أنها دار ممر وحياة الإنسان فيها قصيرة لا قيمة لها، ولذا فهو لا يعبأ بها فهو خاطئ الفهم وجاهل بروح الإسلام فللمسلم من تعاليم الإسلام ما يجعله يعيش كريماً في حياته إذا ما هو وعاها وعمل بمقتضاها، وقد أشار القرآن إلى تكريم الله للإنسان وإلى تفضيله على كثير من خلقه فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرََقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (سورة الإسراء، 70)، فقد حث الإسلام المسلم على الاعتدال في كل شيء وسمى الله الاعتدال قواما وهو العدل كما حثه على كل مكرمة تعلي مكانة الإنسان وقدره في الحياة، لهذا فلا يجوز للمسلم أن يظهر بالمظهر غير اللائق به كإنسان فضلاً عن إسلامه وإيمانه فلا يجوز للمسلم أن يكذب ولا يغش ولا يفتن ولا يخون ولا يجبن ولا يتهور ولا يخادع ولا يعظم غير الله ولا يخشى إلا الله، وفي نظر الإسلام أن من يخالف هذه الفضائل والقيم فهو ناقص الإيمان لأنها فضائل وقيم تشكل الصورة الواضحة للمؤمن الذي أضافه الله إليه وإلى رسوله في سجل العزة والكرامة، كما قال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة المنافقون، 8)، ولا شك أن تعاليم الإسلام كلها تهدف إلى توجيه المسلم الوجهة السليمة في حياته وأن الأخطاء التي يرتكبها بعض المسلمين هي بسبب الجهل الذي يحاربه الإسلام وسواء أكانت تلك الأخطاء دينية أو اجتماعية وحتى خطأ المسلم مع نفسه لا يرضاه الإسلام كالذي يتقشف في ملبسه ويتمسكن في مظهره ويحرم نفسه الطعام الطيب بحجة التقرب إلى الله، فهذا ليس من الإسلام في شيء إنما الإسلام الصحيح هو أن يكون المسلم قوي الإرادة طاهر السريرة نظيف الذمة قوي الصلة بالله حسن الصلة بالناس جميل الملبس حسن المظهر لا تقع أعين الناس على شيء يكرهونه من ثوبه أو جسمه ولا يشمون منه رائحة كريهة، هذا ونسأل الله أن يجنبنا الفهم الخاطئ سواء في ديننا أو دنيانا، والله الهادي إلى سواء السبيل.