اليوم هو 1-1-1435هـ الأول من هذا العام الهجري الجديد؛ بارك الله لنا فيه، وجعل أيامه أيام خير وأمن واستقرار وسعادة ورفاه على وطننا، وقبل أن أبدأ بجردة أهم منجزات السنة التي انصرمت مالها وما عليها؛ أرفع مباركتي ودعواتي لقيادة هذا الوطن العزيز بمزيد من النصرة والعز والتمكين والتوفيق وسداد الرأي والرؤية، والعون من الله للسير بسفينة وطننا وسط هذه الأمواج الصاخبة المتلاطمة المحيطة بنا إلى بر الأمان، ومواصلة بناء وإنجاز مشروعات النهضة والتطوير، والقفز على معوقات التقدم وتذليلها أو مواجهتها بما يجب أن تواجه به من حزم وقوة وصلابة كما فعل الباني الأول المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - وكما فعل الملك فيصل أيضاً - رحمه الله - ومثله الملك سعود والملك خالد والملك فهد وكما يحتذي الأسلوب نفسه (الرؤية الواضحة للمستقبل والقوة والصرامة والحزم والحكمة معاً) الملك عبد الله - متعه الله بالصحة وطول العمر - اختصاراً للزمن وتعويضاً عن سنوات التوقف ومعالجة لسنوات الاسترخاء أو الاستجابة لضغوط التيار المتطرف، الذي كاد أن يوقف نبض الحياة في هذا الوطن وأن ينتكس به إلى الوراء عقوداً طويلة.
لقد من الله علينا وله الحمد والشكر باستقرار أمننا واستتبابه خلال هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها العالم العربي من تحولات دراماتيكية مصيرية خطيرة، ابتدأت من وسط الساحل العربي في شمال أفريقيا من تونس ومرت بمصر ثم بليبيا ثم باليمن ثم بسوريا التي لا زالت تحترق، اشتعلت شرارة التغيير في المناطق والدول التي كانت تعاني استبدادا طاغوتيا وتخلفا في التنمية وترديا في مستوى المعيشة وفسادا في إدارة موارد تلك الدول وغلبة الحزب أو النظام العسكري أو الطائفة على مصاير مواطني تلك الدول.
لقد مضى ما يزيد على سنتين ونصف من اندلاع شرارة التغيير ونفاد صبر الشعوب العربية التي كانت تعيش تحت وطأة أنظمة مستبدة، وكان المرجفون والخونة والعملاء وأصحاب الأجندات الخفية والمعلنة يجاهرون في بداية اندلاع شرارة العنف ضد تلك الأنظمة بأن الحريق سيعم المنطقة العربية كلها، وأخذوا يتنادون في الخفاء وفي العلانية وعبر المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية يوغرون الصدور ويضعون تحت العدسات المكبرة الصغائر والعثرات والأخطاء لتغدو في نظر أتباعهم من الغوغاء والعابثين كبائر تعطل الحياة وتمحو كل إنجاز خير وتدفن كل عمل طيب تم خلال ثمانين عاماًَ!
لقد قدم شعبنا رؤية عقلانية عميقة ومتزنة وبصيرة بما تحدثه الفوضى والانتفاضات التي لا مشروعية لها من تخريب وهدم للإنجاز وتفتيت للوطن وإهدار لكرامة الإنسان وضياع لمستقبل الأجيال وتفريط في مقدرات الوطن وثرواته؛ فأعلن بوقفته مع قيادته وتضامنه معها ورفضه مخططات التثوير المحاكة بخبث والمدروسة في أجندات أكاديميات التغيير المؤدلجة أن الأمن والاستقرار والوحدة واجتماع الكلمة هي الضمانات الحقيقية لمستقبل قادم مزدهر، وأنه لا يمكن لعاقل أن ينظر إلى بقعة صغيرة من السلبيات لا تتجاوز مساحتها مليما أو سنتميترا واحدا في ثوب أبيض ناصع البياض، وأن الأعمال الوطنية الكبيرة الضخمة الطويلة الأمد لابد في كل الأحوال أن يلحقها نقص أو قصور أو عجز أو خلل يحتاج إلى تقويم ونقد وإضافة ومتابعة.
لقد بقيت المملكة العربية السعودية آمنة مطمئنة مستقرة وسط هذه العواصف الهوجاء، تبني وتنجز، وتمد رؤيتها نحو المستقبل بتفاؤل وثقة، وتسعى إلى كبح جماح غلواء الدم البريء المراق في بعض دول الجيران؛ وبخاصة في سوريا، وأثبتت دول مجلس التعاون على أن مسيرتهم التنموية وأنظمتهم الحاكمة التي تتطور في أدائها مع الوقت هي السبيل الأكثر حكمة وبصيرة للوصول بشعوبهم إلى التحديث وإلى التوافق مع ما يجب أن يتخذ من أساليب حديثة في الحياة العامة وفي الحقوق وفي أداء الأجهزة التنفيذية ومراقبتها وفي المشاركة السياسية.
إن أكبر إنجاز يحسن بنا أن نحتفل به ونحن نودع عامين ونصفا من مسيرة الدم العربي الفائر المراق في سبيل الحرية أن نحتفل بأننا نجونا من مسيرة الدم الأحمر القاني، وأننا نرسم مستقبلنا بالعقل لا بالدم!