استوقفتني عبارة جون كيري وصف العلاقات السعوديَّة الأمريكية بـ(الإستراتيجية)، فهذه العلاقة التي استمرت أكثر من 70 عامًا منذ التقاء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن بالرئيس الأمريكي روزفلت في البحيرات المرة في مصر، واستمرت تتطوّر محققة إنجازات وفوائد استفاد منها البلدان كثيرًا.
هذا شيء مؤكد وملموس، إلا أنّه لا يعني أن العلاقات تبقى دون تطوّر أو تحرّك لتحسين الأداء أو حتَّى اختلاف في التكتيك.
نعم هناك مجالات كثيرة للتعاون والآفاق كثيرة، ومع وجود نقاط اتفاق كثيرة وكبيرة بين سياستي البلدين، إلا أنّه يجب أن يكون واضحًا ونتيجة لتغير المصالح وتضادها وتضاربها هناك أيْضًا نقاط اختلاف في كثير من القضايا وإن برزت بوضوح في التعامل مع القضية الفلسطينيَّة، والوضع في سوريا الآن، قد يكون هناك توافق وحتى تطابق في الأهداف، إلا أنَّه لا يعني أن تستنسخ الدَّوْلة أسلوب وعمل الدَّوْلة الأخرى بأن تسير خلفها في تعاملها لحلِّ أزمة ما، هذا التعامل الذي وصفه الوزير كيري بـ(التكتيك) قد لا يتناسب مع أسلوب بل وحتى أهداف ومبادئ الدَّوْلة الأخرى، وهو ما شاهدناه في (تكتيك) الأمريكيين في العراق سابقًا، الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه الآن وسلَّمه الأمريكيون إلى الإيرانيين والأمريكيون الآن ينهجون نفس التكتيك في سوريا حيث سيُؤدِّي تقاعسهم في إنهاء الأزمة السورية وعدم الاستجابة للإرادة الشعبية السورية إلى إلحاق سورية بالعراق كمنطقة نفوذ إيرانية.
أما اختلاف (التكتيك) في التعامل مع القضية الفلسطينيَّة وعلى مدى عقود أدَّى إلى تأخر حل هذه القضية ووضع مزيد من العراقيل لتنفيذ الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، بل ينظر كثير من العرب وليس السعوديين وحدهم إلى (التكتيك) الأمريكي على أنّه معرقل لآمال وطموحات الفلسطينيين وأنه يساعد على تكريس الأطماع الإسرائيليَّة وإلغاء القضية الفلسطينيَّة.
وهكذا فإنه حتَّى وإن كان هناك تطابق واتفاق على الأهداف بعمق العلاقات بين الدول، فإنَّ اختلاف التكتيك خاصة إذا ما تعارض مع الأهداف وشكل عائقًا بوجه تنفيذها لا بُدَّ وأن يضعف تلك العلاقة التي يجب أن تكون متوازنة ومتساوية في تحقيق المصالح وفق أهداف واضحة لا تقبل اللبس في التفسير، إِذْ يجب أن تكون الأهداف مقدمة على خطوات التكتيك التي تضعف الأهداف النبيلة وتعظم المصالح الآنية حتَّى وإن كانت على حساب المواقف الأخلاقيَّة، ومن مصلحة دوام وتعزيز العلاقة الإستراتيجية أن يوضح الطرف المتضرر من التكتيك، خطأ هذا المسار وليس السير خلفه حتَّى لا تنتج نتائج كارثية كالذي حصل في العراق، بالنسبة للوضع في سورية وغيرها من المناطق العربيَّة التي يختلف التكتيك الأمريكي عن الرؤية السعوديَّة.