من أهم عناصر المساعدة على النمو الاقتصادي جلب الاستثمار الأجنبي، وتحفيز الاستثمار المحلي، لأن تدفق الأموال في المجالات المختلفة يعني مزيداً من النمو والحد من البطالة، وتوزيعاً أكثر للمال، وتوفيراً للخدمات، وغيرها كثير مما يعود بالنفع على البلاد والمجتمع. وجميع الدول بلا استثناء تعمل على تحسين البيئة الاستثمارية والسعي إلى المؤسسات المالية الفردية وغير الفردية لعلها تساهم بوضع جزء مما حباها الله من مال في السوق، ولذلك المسعى طرائق متعددة منها إقامة الندوات، واستضافة المستثمرين، واستخدام وسائل الإعلام المتاحة للتعريف بالبيئة الاستثمارية، ومقدار المردود المالي الممكن الحصول عليه من الاستثمار في هذه البلاد أو تلك.
وتعتمد بيئة جلب الاستثمار على معطيات كثيرة لعل أهمها على الإطلاق الأمن الداخلي للبلد الراغب في جلب الاستثمار، فنحن نعلم أن رأس المال جبان، ولهذا فإن الشعراء يربطون بين ضم البخلاء، وليس المستثمرين لمالهم، وضم المحب لحبيبته، وفي صدر بيت شعر يقول الشاعر: وضممتها ضم البخيل لماله. ولا ملامة في ذلك، فإن المستثمر لايمكنه المغامرة بماله في بيئة غير آمنة. ومن نعم الله على المملكة ودول الخليج أنها بيئة آمنة رغم الأحداث الجارية في المنطقة.
وعنصر آخر من عناصر جلب الاستثمار وتوطينه، هو الضرائب، وذلك سواء من حيث المقدار أو التدرج وخلافه، وقد عمدت دول أوروبية إلى زيادة كبيرة في الضرائب لتقليل العجز في موازناتها، حيث إن ظروفها لا تسمح بالحد من الإنفاق مما دفعها إلى البحث عن زيادة الإيرادات فلجأت إلى فرض الضرائب الباهظة بغية الحد من العجز في الموازنة، والواقع أن سياسة كتلك تعتبر طاردة للاستثمار، وهذا يعني تقليل المال المتدفق إلى تلك البلدان، إضافة إلى هجرة الأموال إلى بيئات تكون أكثر واقعية في فرض ضرائبها. ولا شك أن الربح الآني من زيادة الضريبة سيكون له أثر سلبي على مستقبل الاقتصاد في تلك البلاد. وربما تكون دول كثيرة في أوروبا قد وصلت بضرائبها إلى 75 في المائة، وهذه نسبة قد تدفع بعض المستثمرين إلى التوقف عن الاستثمار في تلك البلاد، كما أنها سوف تحد من تدفق الأموال إليها.
عنصر آخر من عناصر طرد الاستثمار هو المبالغة في القوانين وطلب البيانات بدرجة كبيرة جدا، وربما تكون الولايات المتحدة الأمريكية إحدى تلك الدول التي لديها مثل تلك القوانين، ولا ريب أنها مع أهميتها للتأكد من مصادر الأموال واستخدامها، وكذلك حصول الدولة على الضرائب المستحقة، إلا أن التوسع في تلك القوانين يجعل البعض يتردد كثيرا عند الرغبة للاستثمار في تلك البلاد.
وعنصر هام آخر مؤثر في جلب الاستثمار وتوطينه، يتمثل في النمط الإداري، وبطئه وتعقيده، وإن كان موجوداً في كثير من الدول المتقدمة، إلا أنه يسير بأسلوب معروف، بخلاف دول العالم الثالث التي قد يخضع فيها تسيير العمل الاستثماري للعلاقات الشخصية أكثر من الأدوات الإدارية المطلوبة.
ولعل القضاء ونزاهته وأسلوبه، يعتبر عنصراً مؤثراً في الاستثمار، فنحن نعلم أن أي استثمار لا بد أن يواجه بعض الخلافات التي قد تستدعي اللجوء إلى القضاء، ولهذ فإن المستثمرغالبا ما يسأل عن نزاهة القضاء، وتلمسه للحق والعدل. وفي هذا المضمار يلعب المحامون دوراً بارزاً في خلق القضايا أو دفنها، طبقا لمصالحهم وليس دفاعا عن حق أو ردعا لباطل.
إن الأموال تتدفق أينما كانت البيئة الصالحة للاستثمار، وإن كان هناك بعض النقاط التي تحتاج إلى معالجة في المملكة ودول الخليج، إلا أنها تعتبر الأكثر مردوداً وأمناً من غيرها، لكن الأمر يتطلب المقارنة بما في البلاد الأخرى والنظر إلى البدائل ليصل المستثمر إلى الواقع الذي يقول إن بيئتنا هي الأفضل مقارنة بغيرها.