روى الإمام البيهقي رحمه الله عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ..الحديث. هذا الحديث مُوَجّه من خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع أمته ذكراً كان أم أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، حاكماُ كان أم محكوماً, كما أنه موجه لجميع أصحاب المهن، خاصة من يعملُ في الخدمات العامّة والمشاريع التي تنفع الأمة وتساهم في رفع اقتصادها وتميزها. فالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث الشريف يوجه الكلام للوزير والأمير والمدير والمدرس والطبيب والتاجر وجميع أصحاب المهن مهما كانت صغيرة أم كبيرة ويحثهم على إتقان أعمالهم باستخدام أسلوب التحفيز من خلال ربط الإتقان بالإيمان والثواب من عند الله سبحانه وتعالى ومحبته.
ولكننا مع الأسف الشديد عندما نرى ما حدث في الأيام الماضية في بلادنا من فيضانات وتعليق للدراسة في الكثير من المدارس والجامعات والمنشئات الخدمية والحيوية بسبب هشاشة البنية التحتية لدليل قاطع على أننا لا نطبق هذا الحديث الشريف في حياتنا وأعمالنا بالرغم من معرفتنا به وفهمنا لمعناه واقتناعنا بأن من يطبقه يحظى بنعيم الدنيا والآخرة.
فعندما نرى الحكومة حفظها الله تصرف المليارات من الريالات لتنفيذ مشاريع البنية التحتية لرفاهية المواطن ونرى هذه المناظر الحزينة، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد مشاريعنا تفتقد للكثير من المواصفات والمقاييس والجودة العالية، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما تفتقد مشاريعنا ومؤسساتنا الخدمية لثقافة الصيانة الدورية ومبدأ الوقاية خير من ألف علاج، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد مشاريعنا تفتقد الإشراف والمتابعة الدقيقة والمسائلة الفورية، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد مشاريعنا تفتقد لثقافة البرمجة الدورية والتخطيط لاستباق الأحداث وتوقعاتها، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد أنفسنا لا نستفيد من الدول المتقدمة والتجارب الناجحة محلياً وإقليمياً ودولياً، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد أنفسنا لا نستفيد من تجاربنا الماضية ونقبل تكرار الكوارث سنة بعد سنة، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد أنفسنا نرتكب نفس الأخطاء عاماً بعد عام، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نجد أنفسنا لا نعطي الأمور المهمة أولوية مهما صغرت (مثل العزل المائي للمباني والمشاريع والجسور والأنفاق)، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نفتقد لثقافة تطوير الكفاءات الهندسية ًوالإشرافية للمشاريع، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما نتعامل مع الوطن من خلال مبدأ ماذا قدم لي الوطن بدلاً من ماذا قدمت أنا للوطن، ونقابل ما يعطينا الوطن من خيرات بالنكران، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
وعندما تضعف لدينا ثقافة مراقبة الله فيما نعمل، نتساءل أيننا من هذا الحديث الشريف؟
أما الفساد فأكتفي بإحدى التغريدات التي أعجبتني:
السيول فضحت الفساد... الفساد فضح المجتمع... المجتمع شريك... ابدأ بنفسك... ولنحمي أنفسنا... ولنحمي المجتمع...
وأختم هذا المقال بالقول: الكل مسؤول، أنا وأنت وأنتِ وهو وهي وهم وهن. فلنراقب الله في كل عمل نقوم به، ولنحمي الوطن من الفساد ابتداءً بأنفسنا، ولنرتقي بالوطن من خلال إتقاننا لأعمالنا والقيام بمسؤولياتنا المناطة بنا على أتم وجه لكي نفوز بنعيم الدنيا والآخرة.
هذا هو ديننا وهذا هو ما يدعونا إليه الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فمن يريد منا أن يحبه الله؟