قمت بزيارة سياحية لتركيا خلال عطلة عيد الأضحى المبارك، وذُهلت من القفزات النوعية الكبرى في النمو الاقتصادي وتحسن جودة الخدمة العامة التي شهدتها هذه البلاد في العقود القليلة الماضية.. رأيت في مدينة إسطنبول تحسناً كبيراً في مستوى المعيشة، والتطور الكبير المعماري والنمو الاقتصادي الذي أبهر العالم، بل تجاوز العديد من المدن الأوروبية الكبرى.. لقد نجحت تركيا في بضعة عقود في تحويل اقتصادها الضعيف جداً وصورتها الدولية الهشة من بلد كان يعتمد على المساعدات الخارجية، إلى بلد يُقدم المساعدات الخارجية للآخرين.
فوفقاً لتقارير البنك الدولي: يُعد النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته تركيا ومعدلات التنمية على مدى العقد الماضي واحداً من أنجح قصص الاقتصاد العالمي، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن آسيا الوسطى، حيث يتطلع الكثير من الدول في هذه المناطق للتجربة التركية للاستفادة منها.. كما تذكر هذه التقارير وصول الناتج المحلي الإجمالي التركي إلى 735 مليار دولار لتصبح تركيا في المرتبة الـ 18 لأكبر اقتصاد في العالم بالرغم من عدم وجود ثروات طبيعية ونفطية لديها.. قوة الاقتصاد التركي أصبح واضحاً خصوصاً أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008م، حيث حافظت تركيا على نمو اقتصادي إيجابي مقارنة باقتصاديات دول كبرى فشلت في ذلك.. نجد الإعجاز في هذا الإنجاز عندما نعرف أنه تم دون وجود ثروة نفطية وموارد طبيعية، وكذلك عندما نقارن بين تركيا ومثيلاتها من الدول العربية، حيث يمكننا أن نرى الفجوة الاقتصادية الكبيرة بينهما بالرغم من تشابه ظروفهما.
لقد وضعت تركيا لنفسها أهدافاً تنموية طموحة من خلال وضع عدة أهداف إستراتيجية واضحة المعالم مع دقة وكفاءة عالية وسرعة في التنفيذ، مما ساعد تركيا للوصول إلى الوضع الاقتصادي الإيجابي الحالي في وقت يُعدُ قياسياً بكل المقاييس.. والسؤال هنا: هل اكتفت تركيا بوصولها وتحقيقها هذا الإنجاز الكبير؟ الجواب لا.. فتركيا تعتزم أن تكون واحدةً من أكبر 10 اقتصاديات في العالم بحلول عام 2023م.. أي أن تركيا وضعت خططاً إستراتيجية لتقفز 10 مراتب في سلم الاقتصاد العالمي في أقل من 10سنوات!!!.. هل يُعقل أن تخطط وتنجح تركيا في قفز مرتبة واحدة في سلم أكبر اقتصاديات العالم كل سنة لتحقيق هذا التحدي الكبير؟.. شخصياً أعتقد أنهم سوف يحققون هذا الإنجاز وسوف نرى تركيا في المرتبة الثامنة اقتصادياً عام 2023م إن شاء الله.
فوفقاً لسجلات البنك الدولي، تخطط الحكومة التركية كجزء من رؤيتها لعام 2023م أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي تريليوني دولار من معدلاته الحالية (735 مليار دولار) وأن يصل حجم التجارة الخارجية لديها لما يزيد على تريليون دولار أمريكي وأن يصل دخل الفرد للناتج المحلي إلى 2.000 دولار أمريكي من معدلاته الحالية 10.000 دولار، وخفض معدلات البطالة إلى 5% بالرغم من النمو السكاني المطرد.. كما تهدف تركيا أيضاً لاستكمال مفاوضات العضوية الكاملة مع الاتحاد الأوروبي بحلول هذا التاريخ، ومواصلة تطوير مدينة إسطنبول لتصبح مركزاً مالياً عالمياً رائداً، وأن تصبح في مقدمة دول المنطقة والعالم في قطاع التصنيع والخدمات.. ما أعظم هذه الأهداف الإستراتيجية.
وعندما نبحث في أهم أسباب هذا التحول الإستراتيجي الإيجابي الذي شهدته تركيا، فإننا نجد ذلك بسبب التخطيط الإستراتيجي وإتقان وسرعة تنفيذ هذه الخطط مع وجود رؤية مستقبلية واضحة ومحاسبة صارمة.. أضف إلى ذلك الاهتمام بالتعليم ومخرجات التعليم العالي وزرع حب العمل والإبداع والإتقان والتنافسية المحلية والدولية للمنتجات التركية التي أصبحت تنافس مثيلاتها الأوروبية والأمريكية واليابانية.. أمور وأسباب كثيرة نجحت تركيا في تبنيها وتطويرها لتصبح مثالاً اقتصاديا يُقتدى به.
هذه الأسباب والعوامل كتب عنها الكثير من الكتّاب وعن أهميتها للارتقاء بالاقتصاد السعودي وتنويع مصادر دخله الذي يمثل حالياً النفط أكثر من 90% منه..كما كُتب كثيراً عن الدور الرئيس الذي يجب أن تلعبه وزارة التخطيط الغائبة تماماً عن قطاع التخطيط الإستراتيجي لمملكتنا الحبيبة.. فلو سألنا وزارة التخطيط ما هي رؤية المملكة وما هي نسبة دخل البترول للدخل المحلي عام 2023م فما سيكون الجواب؟.
ختاماً، بمناسبة عيد الأضحى المبارك أنتهز هذه المناسبة المباركة لرفع آيات التبريكات لمقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وولي عهده الأمين والشعب السعودي، سائلاً المولى عز وجل أن يعيده علينا والأمة الإسلامية بعزة ومجد ورقي اقتصادي وثقافي وحضاري.. اللهم آمين.