تزوّج تاجر أربع زوجات، كانت الزوجة الرابعة هي الأحب إليه من بين زوجاته، كان يحضر لها الملابس الأنيقة الغالية، ويعاملها برقّة ولطف، يهتم بها كثيراً، ويعطيها الأفضل دائماً، وكان يحب الثالثة بشدّة أيضاً، وكان فخوراً بها، ويتباهى بها بين أهله وذويه، لكنه كان يخشى دائماً أن تتركه وتتزوّج برجل آخر، أما زوجته الثانية فكان حتماً يحبها، فهي عقلانية جداً، صبورة دائماً، ويثق فيها إلى أبعد الحدود، ويلجأ إليها عندما يتعرّض للأزمات، وكانت تساعده على تجاوز الأوقات الصعبة وتخطّيها، أما الزوجة الأولى فكانت وفيّة جداً، ساهمت كثيراً في إدارة ثروته وأعماله عطفاً على قيامها بواجباتها المنزلية، لكنه مثل حال كل الرجال لم يكن يحبها، رغم حبها الشديد له، كان يتجاهلها ولا يلقي لها بالاً ولا انتباهاً.
في يوم من الأيام مرض هذا التاجر، وأدرك أنّ ساعة الرحيل أزفت وقربت، وأنه سيموت قريباً، فكر في حياته الرغيدة وسأل نفسه، الآن عندي أربع زوجات، ولكن بعد أن أموت سأكون وحيداً، لذا قال للزوجة الرابعة : تعلمين أنك أكثر من أحببت من بين زوجاتي، أحضرت لك أفضل الملابس وأنفسها، وأوليتك اهتمامي دون الأخريات، الآن سأموت، فهل تتبعينني وترافقيني ؟ قالت بكل صراحة وجرأة : لا مستحيل، لن أتبعك ولن أرافقك، تركته وحيداً، ابتعدت عنه ولم تنبس ببنت شفة، كانت إجابتها بمثابة طعنة سكين حادة اخترقت قلب التاجر، استدعى التاجر الزوجة الثالثة، وكان حزيناً مهموماً، وقال لها: لقد أحببتك كثيراً طوال حياتي، والآن سأموت، فهل تتبعينني وترافقيني ؟ قالت الزوجة الثالثة: لا، الحياة جميلة، وعندما تموت سوف أتزوج مرة أخرى، انفطر قلب التاجر، وشعر ببرودة تسري في جسده، استدعى الزوجة الثانية، وقال لها : كنت ألجأ إليك دائماً، وكنت نعم العون لي والسند، الآن أريدك أن تساعدينني كعادتك في كل مرة، قربت ساعة الرحيل عن هذه الدنيا، فهل تتبعينني وترافقيني؟ قالت الزوجة الثانية : آسفة هذه المرة لا أستطيع مساعدتك والوقوف معك، وأقصى ما أستطيع فعله هو أن أتبعك إلى قبرك تكريماً لك وأعود، كانت إجابتها مثل الصاعقة، انهار التاجر.
وبينما هو في تلك الحال من الحسرة واليأس، هتف صوت قائلاً، أنا سأرحل معك، وأتبعك أينما ذهبت، التفت التاجر إلى مصدر الصوت، فإذا هي زوجته الأولى، كانت مجهدة نحيلة منهكة، كانت تعاني من سوء في التغذية، قال التاجر : كان الواجب أن أعتنى بك واهتم عندما كنت في كامل صحتي وقدرتي واستطاعتي، لكن عمى الأولويات أعمى بصيرتي عن رؤية الحق .
حكاية فلسفية مصنوعة، لكن الحقيقة أننا كلنا ذاك التاجر، عندنا أربع زوجات :
الزوجة الرابعة هي الجسد، الذي نبذل من أجله الكثير من المال حتى بدا مشوهاً من نتوءاته الأمامية والخلفية، فمهما بذل من وقت وجهد لجعله يبدو جميلاً رشيقاً، سيتركنا عندما نموت.
الزوجة الثالثة هي المال والثروة، يجهد البعض في تحصيله ويتحايل، لدرجة أنه طغى على أداء العبادات على الوجه الأكمل، والحقيقة أننا عندما نموت تذهب كلها للغير.
الزوجة الثانية هي الأهل والأصحاب، نأنس بهم ومعهم، لكن مهما بلغ قربهم منا ولنا، فأبعد ما يمكن أن يذهبوا إليه هو المقبرة والوقوف دقائق معدودة على القبر.
الزوجة الأولى هي النفس التي هي الأولى بالرعاية والعناية، لطالما أهملناها، وجرينا وراء المادة والثراء والشهوات غير آبهين بحاجاتها التي تُعَد من لوازم السعادة في الدنيا والآخرة.
ماذا نتوقع ؟ الروح هي الشيء الوحيد الذي يتبعنا إلى أي مكان نذهب إليه، فالأولى أن نجتهد في تنميتها وتقويتها من الآن بدل الانتظار والحسرة عندما تحين ساعة الفراق على فراش الموت وتبدو الحقائق جليّة لكن بعد فوات الأوان.