تقول الكاتبة «هدى الحسيني» في جريدة (الشرق الأوسط) اللندنية: (إن الرئيس التركي «أردوغان» كان المستشار غير المعلن للرئيس أوباما في الشئون الإسلامية، وهو من نصحه بالانفتاح على «الإخوان المسلمين» كبديل معتدل عن تنظيم «القاعدة»، أي أن الإسلام هو إما «الإخوان» أو «القاعدة»..). وإذا كان استنتاج الزميلة الحسيني صحيحاً فيبدو أن الأمريكيين يقرأون الإسلام ومدارسه وحركاته وتوجهاته بقدر كبير من السطحية والسذاجة؛ فمن يتتبع جذور الإرهاب وكيف نشأ، ومن أين أتى، وكيف تكوّن، يجد أنه خرج من تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم، وبالذات الجناح (القطبي) للجماعة؛ وبالتالي فلا يمكن أن تعتمد على أصل المشكلة ليقدم لك حلاً، وعلى أحد أفراد المافيا ليكون مسؤولاً أمنياً!.
ويبدو أن الأمريكيين الآن قد استوعبوا الدرس جيداً بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف أن (القاعدة) والجهاديين قويت شوكتهم وتمكنوا في مصر حين تولت الجماعة السلطة أكثر من أي عهد آخر من العهود التي حكمت مصر؛ فأدركوا من واقع التجربة أن إسلام أردوغان هو إسلام (أتاتوركي)؛ فالأس الذي بنى عليه أردوغان نجاحاته لا علاقة له بنظرية الإخوان المسلمين ولا بأطروحاتهم؛ وعندما تُقارن إسلام أردوغان وتجربة «تركت أوزال» التركية -وهي التجربة التي يستمد منها أردوغان نجاحه- بما يطرحه الإخوان وبالذات الجناح القطبي فأنت كمن يقارن البطيخ بالحنظل لأنهما ينتميان إلى فصيلة القرعيات وثمرتهما كرويتان!.
ولم يكن فشل إخوان مصر سببه أن من تولوا السلطة هناك لم يكونوا أهلاً للتجربة كما يُردد البعض بقدر ما هي مشكلة (بنيوية) في الحركة الإخوانية ذاتها. خذ -مثلاً- إخوان تونس أو حزب النهضة كتجربة إخوانية أخرى ثم قارن مكتسبات تونس الحضارية قبل النهضة بمكتسباتها بعد أن قفز هؤلاء إلى السلطة على كافة المستويات، تجد أن إخوان تونس لم يُقدموا ما يؤشر أنهم يتجهون إلى حل المشكلة وإنما إلى تعقيدها؛ ولعل أهم ما حققته حكومة النهضة أن الحركات الجهادية التونسية أصبحت أقوى وأكثر سلطة وسطوة في تونس، وهذا ما يؤكد أن الجهاديين والنهضويين وجهان لذات العملة. وهو -أيضاً- ينطبق بالقدر نفسه على تجربة سودان البشير، التي هي بشكل أو بآخر تجربة خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين ابتداء قبل أن ينفصل البشير عن الترابي الذي أسس انقلاب السودان لأسباب تنافسية بين الرجلين .
وكل حركات الإسلام السياسي (السنية) ليس أمامها حركة نجحت واستمرت وتحولت إلى دولة إلا الحركة الخمينية في إيران.. غير أن السؤال هل تجربة الخميني في إيران مثالاً يُحتذى؟؛ وهل قدمت لإيران تجربة تنموية شاملة جديرة بالاحترام؟.. وقبل هذا كله هل كانت ثورة الخميني المتأسلمة ستستمر كـ(دولة) لولا النفط والغاز؟.
إيران تحولت من دولة شاهنشاهية استبدادية يتربع على قمتها الشاه إلى دولة محض كهنوتية يتربع عرشها الولي الفقيه؛ أي أن التغيير شكلي فقد نزل الشاه وفي يده الصولجان من العرش وحل محله الولي الفقيه مرتدياً عمامة الأولياء؛ الأول إذا اختلفت معه فأنت تختلف مع القوى الدنيوية، بينما الآخر إذا اختلفت معه فقد خسرت الدنيا والدين معاً؛ بمعنى أن الاستبداد تحول من كونه استبداداً دنيوياً يستقي من التاريخ الشاهنشاهي شرعيته إلى استبداد ديني يستمد من ممثل الله على الأرض -كما يدعي الولي الفقيه- قوته ونفوذه وشرعيته. هذا على المستوى السياسي؛ أما على المستوى الاقتصادي فقد تدهور سعر صرف (التومان الإيراني) مقابل العملات الأخرى إلى معدلات قياسية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية الخانقة التي يرزح تحتها الاقتصاد الإيراني؛ فالتضخم تجاوزت معدلاته ما يزيد عن 23% وهو في تزايد مستمر وارتفعت معدلات البطالة إلى 12% حسب الأرقام المعلنة، وهناك من يؤكد أن الأرقام الحقيقية للبطالة قد تصل إلى ضعفي وربما ثلاثة أضعاف ما هو معلن بعد أن خسرت العملة الوطنية ثُلثي قيمتها.. فأي نجاح حققه الخمينيون مقارنة بإيران في عصر الشاه؟.
كل ما أريد أن أقوله هنا أن الإرهاب هو أحد مخرجات (الحركيّة الإسلامية) والقطبية الإخوانية تحديداً، مثلما أن نجاح أردوغان الاقتصادي هو من مخرجات «تركت أوزال» وليس أردوغان، فهل كان أوباما يدرك هذه الحقائق حين وقف مع الإخوان؟.
إلى اللقاء،،،