توفي معالي الأخ الكريم الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وفي ظلال معرفتي به فقد أحببت أن أكتب هذه السطور تبياناً لبعض خصال الفقيد مما أظن أن غيري لن يتطرّق لها بحكم معايشتي لها.. فقد عرفته - رحمه الله- ذكياً منذ أن كان طالباً في ألمانيا كان حريصاً على توثيق ما يعمله بمستند شرعي، وقد قرأت في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي عام المملكة ورئيس القضاة في وقته سؤالاً ورده من الطالب محمد بن أحمد الرشيد يستفسر فيه عن بعض أحكام الصيام للسعوديين والعرب الدارسين في ألمانيا آنذاك وقد صيغ السؤال بأسلوب جذاب مع إحاطة بالمسألة المسؤول عنها مما يدل على خلفيته العلمية في وقت مبكر، وهذه الرسالة موجودة في أرشيف مجلة الدعوة منذ أن كانت صحيفة أسبوعية.
وإضافة إلى ذلك حدثني أخي الأستاذ صبيح الصبيح - رحمه الله- وكان مديراً للشؤون الثقافية أو إدارة مشابهة لها في مكتب التربية لدول الخليج العربي عن ذكاء معاليه وعن حسّه التربوي عندما كان مديراً للمركز قبل تعيينه وزيراً للمعارف، فالتربية والتعليم من حيث الموضوعات التربوية المطروحة والبحث العلمي.
كما أن معاليه برهن على كفايته وذكائه عندما كان وزيراً للمعارف فعقد في عهده عدد من اجتماعات مديري عموم التعليم بمناطق المملكة كافة وكان يخصص لكل اجتماع ندوة خاصة بموضوع تربوي أو تعليمي محدّد مسبقاً ليعدّ له الاستعداد المناسب وليتم استكتاب الباحثين فيه، وكان من ذكاء معاليه أن استكتب بعض الإعلاميين ممن يكتبون عن مشكلات التربية والتعليم في صحفنا المحلية للمشاركة مع زملائهم مديري عموم التعليم في ذلك المؤتمر وليطلعوا عن كثب على واقع الحال، وقد كنت أحد المدعوين لندوة (اقتصاديات التعليم) التي عقدت في القصيم وشاركت فيها بورقة عمل عن الموضوع وأذكر من المشاركين في تلك الندوة معالي الدكتور عبد الواحد الحميد ومعالي الدكتور خضر القرشي والدكتور حمد الشغرود والدكتور خالد العواد وغيرهم من كبار مسؤولي الوزارة ومديري التعليم، والذي يهمني هنا أن الرجل كان مصراً على مشاركتي فحين أخبرته أنه يترجح لي أن مرجعي لن يوافق على سفري للمشاركة في الندوة لعدة أيام لم يتوان عن الكتابة لمرجعي بطلب ورجاء ترشيحي للمشاركة في الندوة بورقة عمل لأهميتها. ومما يذكر في تلك الندوة أننا سافرنا جميعاً من مبنى الوزارة مع وزيرنا في حافلات النقل الجامعي إلى المجمعة، حيث افتتح معالي مجمع التويجري بالمجمعة الذي بُني على نفقة معالي الشيخ عبد العزيز التويجري - رحمه الله- ثم توجهنا جميعاً بحافلاتنا مع وزيرنا إلى القصيم وكان طوال الرحلة ذاك الرجل حسن المعشر حاضر النكتة شديد التواضع - رحمه الله تعالى- كما رعى بعض الفعاليات أذكر منها زيارة مزرعة الشيخ سليمان الراجحي والاطلاع على تجربة الشيخ وكان الوزير كعادته يحضر بسيارته لمقر السكن ثم ننطلق بالحافلات إلى مزرعة الراجحي وغيرها من الفعاليات المصاحبة.
وفي إحدى الفعاليات كان أن علق أحد الإخوان بعبارة لطيفة أذكرها، حيث قال في معرض حديثه (والفكسسة و...) فما كان من الوزير إلا أن أبدى إعجابه بنحت المصطلح الفكسسة وأشار إلى مصطلحات منحوتة على قياسه، وداعب السائل مما أضفى على جو الفعالية روحاً مرحة أسعدت الحاضرين، ولا غرو ولا عجب في ذلك فمعاليه - رحمه الله- خريج كلية اللغة العربية.
هذه انطباعات عجلى عن معالي الأخ الكريم محمد بن أحمد الرشيد - رحمه الله- لعلها تعطي انطباعاً عن شخصيته وتواضعه وذكائه ولا أشك أن كثيراً من المقالات ستكتب وستظهر شواهد أخرى عن الفقيد - رحمه الله- والله ولي التوفيق.