يصعب وصف جمال الطبيعة في ولاية كيرلا الهندية! وقد كنت أتوق دائماً إلى زيارتها حتى حانت الفرصة قبل عدة أيام مع بعض الأصدقاء فذهبنا إلى هناك لتثقيف أنفسنا عن هذه الولاية التي تأتي في مقدمة ولايات الهند في مؤشر التنمية البشرية وارتفاع نسبة التعليم بين السكان والمستوى الثقافي واحترام حقوق المرأة، وكذلك الاستمتاع بالطبيعة الجميلة للولاية وما تحفل به من تنوع ثقافي رائع. ولا أدري إن كان من سوء الطالع أو حسنه أن تصادفت زيارتنا مع إضراب شامل شل الولاية لمدة يومين، فكان ذلك الإضراب فرصة لمعرفة المزيد عن التركيبة السياسية وطبيعة الأحزاب في الولاية التي تعتبر أول مكان في العالم تم فيه انتخاب حكومة شيوعية بطريقة سلمية وليس عن طريق الانقلابات أو الثورات وذلك عام 1957!
ذهبت إلى هناك بعد أن قرأت الكثير عن كيرلا، ولذلك لم أتفاجأ بما رأيت. لكن المفاجأة كانت عندما زرت ـ بترتيب مع دليل سياحي ـ معملاً فريداً أقامته إحدى الشركات الكبرى في الهند بمدينة مونار وذلك انطلاقاً من شعورها بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الشباب والشابات ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الإعاقات الجسدية والذهنية وشعورها أيضا بأهمية المحافظة على الطبيعة واستخدام مواردها بحكمة.
دخلت، مع زملائي، المعمل فوجدنا مجموعة كبيرة من الشباب والشابات ذوي الاحتياجات الخاصة موزعين على وحدتين، الوحدة الأولى للمنتوجات الورقية والثانية للصباغة والملبوسات. كان الأشخاص الموجودون في الوحدة الأولى منهمكين في إنتاج المشغولات الورقية من مختلف الأشكال مثل دفاتر المذكرات والأوتوجرافات وغيرها. ولم يكن الفريد هو أن تلك المشغولات الجميلة تنتجها أنامل الشباب والشابات ذوي الظروف الخاصة وإنما أيضا أنها تستخدم بالكامل مواد طبيعية يتم جلبها من الغابة مثل أوراق الشاي وغيرها!
أما الوحدة الثانية فيتم فيها صباغة الأقمشة وإعداد الرسومات المناسبة لزركشتها ثم تفصيل وخياطة الملابس الهندية النسائية التقليدية مثل الساري وملابس الأطفال، وكل ذلك بأيدي الشباب والشابات ممن لم تَحُل الإعاقة دون اندماجهم واستمتاعهم بالعمل وباستخدام مواد طبيعية مجلوبة من الغابة!! طلبت، مع الزملاء، المزيد من المعلومات عن الطريقة التي تتم بها إدارة هذا المشروع الاقتصادي الإنساني الرائع، فقالت لنا المسؤولة الإدارية التي كانت تتجول معنا أن الشركة التي أنشأت المشروع تقدم للشباب والشابات أجوراً مناسبة وتقدم لهم مجاناً السكن، والرعاية الصحية، والمواصلات، ووجبات يومية ساخنة مدعومة، بالإضافة إلى التدريب والتعليم! خرجنا من المعمل، وذهبنا إلى المتجر الملحق بالمبنى. كان المتجر يبيع مختلف المنتجات والمشغولات التي ينتجها الشباب والشابات، فاشترينا ما استطعنا، وغادرنا المكان ونحن نقارن ما قامت به تلك الشركة وما تفعله الشركات ذات الأرباح المهولة عندنا!!