ظهرت شائعة إلغاء جامعة جازان لمقرر الثقافة الإسلامية وجعله اختياري فأربكت الجامعة وأصبحت تدافع وتنفي في كل مختلف وسائل الإعلام. طبعاً مقررات الثقافة الإسلامية واللغة العربية التي تعتبر متطلبات جامعة ليس من صلاحية الجامعات إلغاؤها لأنها مقرة من قبل مجلس التعليم العالي على جميع الجامعات السعودية. ولكن الموضوع يفتح سؤالا عن فحوى تلك المقررات ومدى علاقتها بمستجدات العصر واحتياجات الطالب الجامعي دراسياً ومهنياً؟
بكل أسف بعض تلك المناهج لم تشهد أي تطور يذكر وتعتبر مجرد مواد حفظ مكرر ينهيه الطالب كيفما كان، مع ما فيه من حشو في بعض الأحيان وأدلجة في أحيان أخرى. أذكر أن منهج الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود يعتبر الديموقراطية وحقوق الإنسان مجرد مصطلحات مستوردة لا تناسب الدولة الإسلامية ويوازي العلمانية والليبرالية بالكفر في تعريفات سطحية لهما. وهذا ما لا يتفق حتى مع توجهات البلد وفتاوى شيوخه التي تجيز الانتخابات وتدعم تأسيس جمعيات حقوق الإنسان ..إلخ.
غالبية الجامعات العالمية تضع مقررات عامة، لكن الملاحظ أن كثيرا منها تضع مقررات تتعلق بالتاريخ الوطني أو مقررات تتعلق بالمواضيع المعاصرة بينما جامعاتنا لا تفعل ذلك. يبدو السبب في ذلك أيدلوجياً حيث كانت - وربما لا زالت - لدينا فئة لا تهتم بالتاريخ الوطني بقدر ما تهتم بالتاريخ الأممي الإسلامي. فئة تقدم الأمة على الوطن بدليل اعتراضها في أوقات سابقة حتى على مفهوم السلام الوطني والنشيد الوطني والاحتفال الوطني، وبدليل مشاركة أبنائنا في حروب الدول الأخرى كالعراق وسوريا رغم كون ذلك لا يخدم وطنهم. وربما لا أحد يتجرأ على فتح هذا الموضوع أو مناقشته خشية فتح أسئلة وجبهات مع المؤدلجين الذين يملؤون جامعاتنا وحياتنا الثقافية. انظروا الرعب الذي أصاب مسؤولي جامعة جازان لمجرد اتهامهم - صدقاً أو افتراءً - بالتفكير في تغيير مقررات الثقافة الإسلامية؟!
هل من سبيل لتطوير مواد الثقافة الإسلامية بالجامعات؟
إحدى طرق تطويرها جميعاً أو بعضها - مقرر أو مقرران- قد يكون بربطها بالتخصصات المختلفة، أو الاحتياجات المهنية لخريج الجامعة فلطلاب كلية الطب يكون هناك مقرر له علاقة بالقضايا الفقهية الطبية وعندما يكون في التربية يكون له علاقة بالتربية الإسلامية وعندما يكون في القانون يكون له بالقانون الإسلامي وهكذا في بقية التخصصات. وقد يكون هناك مواد تتعلق بقيم العمل وثقافته في الإسلام، إلخ. بمعنى آخر جعلها مواد ذات حيوية وجدوى للطالب الجامعي...
أحد المقترحات التي تسهل دراسة مقررات الثقافة الإسلامية تتمثل في تحويلها إلى مقررات إلكترونية أو عن بعد لا يشترط حضورها وإنما يكتفى باجتياز اختباراتها. هذا الخيار سيزعج أساتذة التربية الإسلامية الكثر في بعض الجامعات، لكن الواقع يشير إلى أن طريقة تدريس هذه المواد يعتمد على التلقين والإملاء والحفظ. بل ويسمح للطالب بدراسة المادة العامة في غير جامعته، وخصوصاً وبعض الجامعات المتخصصة أو الحديثة لا تملك أقساماً متخصصة في الثقافة الإسلامية ولا يجب أن تكون مضطرة لذلك.
أخيراً أراه من الأهمية إعادة النظر في نظام المواد العامة - مواد الثقافة الإسلامية واللغة العربية - ليكون وفق صياغة مرنة تترك لكل جامعة وضع تفاصيلها. على سبيل المثال يصبح المطلوب هو تدريس أربع أو خمس مواد - ما يعادل عشر ساعات أكاديمية - في مجالات اللغة العربية والثقافة الإسلامية والتاريخ الوطني والاجتماعيات. ويترك لكل جامعة وضع تفاصيل توزيع هذه المقررات، بشكل يتيح التطوير فيها كما يتيح حرية الاختيار منها للطالب الجامعي.