الحمد لله، وبعد: فقد قرأت مقالاً في جريدة المدينة بتاريخ 20-11-2013م، بعنوان (البقيع الفرصة الأخيرة) بقلم الكاتب عبدالله الجميلي. وجاء في المقال كلمات تحتاج إلى تنبيه، منها:
1- أن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يشفع يوم القيامة لسبعين ألفاً منهم، أي من المدفونين في البقيع. وهذا القول يحتاج إلى دليل، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم حق، وهي لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته، ولكن تحديد عدد معين أو مكان معين لأهل الشفاعة يحتاج إلى دليل ثابت، وإلا كان قولاً على الله بغير علم، وهو أعظم المحرمات.
2- قال الكاتب: فقد ضاقت مساحة البقيع، وأصبح هناك صعوبة في الفوز بالدفن فيها، وقد كاتبني الكثير من أهل المدينة يرفعون الصوت والرجاء بمشروع توسعة بقيع الغرقد، والحقيقة أن الحاضر والمستقبل يفرضان ذلك. وقال: تلك رسالة حملني إياها طائفة من أهل المدينة النبوية. وأقول للكاتب ولغيره: إن المشروع أنه إذا ضاقت المقبرة، ولم يبقَ فيها مكان لدفن، فإنها تُسوَّر وتُغلق، ويُمنع الدفن فيها، ويُبحث عن مكان آخر يُخصص لمقبرة جديدة (وأرض الله واسعة). وكم من الصحابة والسلف دفنوا خارج البقيع، والعبرة بالعمل، والله جل وعلا قال: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَي أَرْضٍ تَمُوتُ}. فالمسلم يُدفن مع المسلمين في أي مكان من الأرض، ولا يجوز الغلو في مقبرة من المقابر أو مكان أو شخص؛ لأن هذا وسيلة إلى الشرك، ومن دفن في مكان فهو أحق به، لا يخرج منه، ولا يدفن معه إلا إذا كانت هناك ضرورة لا مخرج منها، ولا ضرورة هنا؛ فأرض المدينة واسعة، والبر حولها فسيح - والحمد لله - يتسع لإحداث مقبرة تتسع لدفن الأموات.
ثم إنني بمناسبة انعقاد مؤتمر علمي في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية (حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على البشرية)، أرجو أن يكون من محاور هذا المؤتمر بيان أن من أعظم حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - اتباعه والاقتداء به؛ قال تعالى: فَالَّذِينَ آمنواْ بِه وَعَزَّرُوه وَنَصَرُوه وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَه أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وَمَا نَهَاكُمْ عَنْه فَانتَهُوا ، وقال تعالى: وَإِن تُطِيعُوه تَهْتَدُوا ، ومن طاعته واتباعه ترك الغلو في تعظيم الآثار المكانية في المدينة وفي غيرها، وترك تتبعها وإحيائها إلا ما كان منها تشرع زيارته والصلاة فيه، كالمسجد النبوي الشريف ومسجد قباء، وترك ما عداهما مما لم يشرع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زيارته.
أما المقابر فتزار للسلام على الأموات والدعاء لهم والاعتبار والاتعاظ، كزيارة مقبرة البقيع وقبور الشهداء في أحد وغيرها، فالخير في الاتباع لا في الابتداع.
وفَّق الله الجميع لطاعته والعمل بشريعته واتباع نبيه وطاعته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.