بإنجاز الدستور الجديد لمصر تكون المحروسة قد بدأت تنفيذ أولى خطوات خارطة المستقبل، فهذا الدستور المعدل لدستور 2012 يعد من الناحية العملية والعلمية دستوراً جديداً، فقد عدلت تقريباً جميع مواد الدستور السابق، واستحدثت مواد جديدة، ووجدت جميع طبقات وفئات الشعب المصري نصيباً لها في الدستور الجديد، فلأول مرة حصل أصحاب الاحتياجات الخاصة على نصيبهم من اهتمام المجتمع بوضع مواد خاصة تعالج حاجاتهم، كما أنصفت المرأة المصرية أكثر من ذي قبل وإن لا زالت تحتاج مزيداً من الإنصاف، كما حصل الشباب المصري والناشئة نسباً لا بأس فيها من الاهتمام، وأخيراً تحسن وضع أقباط مصر أحسن من ذي قبل.
عموماً الدستور الجديد لمصر يعد وبكل المقاييس تطوراً نوعياً ومكسباً لشعب أزاح رئيسين، ولهذا فإن تطبيق بنود الدستور الجديد إذا ما حصل على (نعم) في الاستفتاء الذي سيجري خلال شهر بعد تسلم الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور مسودته من قبل رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى..
نقول إن التطبيق لمواد الدستور سيظهر للشعب المصري مدى صلاحيته لمعالجة العديد من حالات القصور والاحباطات التي أثرت على مصر شعباً ودولة. وبإمكان هذا الشعب المكافح الذي تصدى لنظامين وأسقطهما أن يغير ما يتعارض مع رغبته في تطوير حياته ودولته ومجتمعه، إلا أنه ومثلما اجتهد أعضاء لجنة الخمسين في تقديم دستور قد لا يلبي كل حاجات الشعب المصري، ولكن وبشهادة المختصين من الفقهاء الدستوريين وخبراء القانون والمراقبين السياسيين يعد أفضل ما يمكن الوصول إليه، كما أن على المصريين أن يراعوا الحالة التي تعيشها الدولة المصرية في المرحلة الراهنة والتي تحيط بها المشكلات والمخاطر من كل الجوانب، عليهم أن يراعوا حدود إمكانيات هذه الدولة المتمثلة بقلة الموارد وتراكم المشكلات والأخطاء السابقة جراء توالي نظامين متناقضين، كان كل منهما يسعى لتحقيق مصالح خاصة بمؤيديه وأنصاره، ولذلك لا يمكن أن تعالج كل التراكمات السابقة في فترة وجيزة، وإن كان المصريون قد صبروا طوال خمسين عاماً على أنماط مختلفة من الحكم، فعليهم أن يعطوا الفرصة لتنفيذ خارطة المستقبل لإصلاح التشوهات وعلاج الأخطاء والمشكلات التي أوصلت مصر إلى ما آلت إليه الآن، وإذا كان المصلحون يرددون بأن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإن مسيرة الإصلاح في مصر قد بدأت بدستور جديد يستحق أن يحصل على نعم كبيرة من المصريين.