في كل يوم عندما أخرج لعملي في الصباح وأمتطي سيارتي، أستحضر الصبر والاحتمال وأقنع نفسي ألا محالة من ولوج الفوضى المرورية حتى أصل لمكتبي، ومع أني لا أخرج وقت ذهاب الموظفين لدوائرهم، بل أتعمد التأخر حتى الساعة العاشرة صباحاً حتى تخف زحمة المرور، إلا أن الفوضى لا تغيب عن شوارع الرياض في كل وقت وحين، وبات أكثر ما يميز الرياض هو تلك الفوضى، فالمتسارعون يعرفون كل مواقع كاميرات ساهر, لذا لا يتوانون عن مضايقة الملتزم بالسرعة المحددة بمختلف الطرق، مثل التأشير بالنور العالي أو إطلاق المنبه بصورة استفزازية، أو حتى الاقتراب من مؤخرة السيارة بصورة مثيرة للخوف، وهم أيضا يعرفون الإشارات التي تخلو من الكاميرات، فيصيبهم عندها عمى الألوان فيصبح الأحمر والأخضر لهم لون واحد، وأكثر الفوضى وضوحاً في شوارع الرياض، هو طريقة وقوف السيارات في الشوارع فلا أحد يقف حسب مخططات الوقوف ولا نمطية الوقوف في الشارع والوقوف المزدوج هو الغالب بل إن كثيرا من السائقين بات يقف في المسار الأيسر من الشارع، خصوصاً أمام الأسواق والدوائر الحكومية والمدارس، وأصبحت الرياض خالية من دوريات المرور التي تخالف المتعدين على نظام المرور، بل إن المخالفة لنظام المرور هي الشائع وليس الانضباط. لقد أصبحت الرياض مدينة ترفع الضغط بمجرد السير بشوارعها.
يمكن أن يقال الكثير عن مدينة الرياض، فهي العاصمة وهي قبلة الباحثين عن العمل والثروة، وهي الزاخرة بالأسواق والحدائق والمنتزهات، ولكن يمكن أن يقال عنها إنها من أسوأ المدن في انضباط سكانها بالسلوك الحضاري, فقمامتها المتناثرة بالشوارع أكثر مما تحويه حاويات وناقلات النظافة، والحفريات فيها تغص بها الشوارع بسبب وبغير سبب ومعايير السلامة في مشروعاتها البلدية التي لا يخلو منها شارع متدنية أو معدومة، فقلما يمر يوم لا تجد حادثاً حول تلك المشروعات أو بسببها، والسائقون في تلك الشوارع يعتركون حول المخارج والمداخل في غياب تام للذوق والمجاملة أو حتى مراعاة أصول المرور والقيادة، أن ما يميز الرياض هذه الأيام هو هذه الفوضى العارمة في وقوف السيارات حول المساجد عند صلاة الجمعة، فالكل يريد أن يكون أقرب ما يكون للمسجد ولو دعاه ذلك للوقوف في وسط الطريق وقفل الشارع.
ويزيد الطين بلة تعدي أصحاب المحلات في حجز ما يقابلهم من الشارع بسلاسل ولوحات يخصص الوقوف لهم فقط، في مخالفة صريحة للحق العام. نعم أصبحت الرياض اليوم لا تطاق، ولا عجب في ازدياد ارتياد الناس للمستشفيات، وكثرة الشكوى من القلق وارتفاع الضغط والرغبة في السفر للبلدان المجاورة للخلاص من هذه الفوضى ولو لبعض الأيام، لا يهم معرفة المسؤول عن هذه الفوضى المرورية بالرياض، وغياب الدور الرادع لدوريات المرور، المهم اليوم هو وضع حلول سريعة وعملية لوقف تنامي الفوضى، والمهم ألا يعتمد على ساهر فقط في ردع المخالفين لنظام المرور والأهم ألا نسوف في الحلول انتظاراً لتشغيل نظام النقل العام الذي طال انتظاره، لابد من وضع نظام للنقل العام بالحافلات بأسرع وقت ويكون مجاناً لو لزم الأمر، وكذلك تنظيم المواقف ووضع غرامات للمخالفين والترخيص لسيارات السحب بسحب السيارات المخالفة على حساب صاحبها وتشجيع الاستثمار في بناء المواقف المتعددة، ومنع الوقوف في بعض الشوارع.
الرياض اليوم بحاجة لحملة تصحيح مرورية تبرز جمالها كمدينة حضارية والأمل بذلك معقود على أميرها ونائبه، فكلاهما صاحب نظر ودراية وكلاهما رجل عزم وحزم، فلهما أسوق هذا المقال مع التحية.