بالرغم من أنني من جيل ولد بعد اكتشاف النفط، إلا أننا يمكن أن نعتبر جيلاً مخضرماً، وجسراً عرف عن حال الوطن قبل النفط، من خلال الحديث مع الأجداد، وهم الذين وصفوا لنا شظف حياتهم، والجدات اللاتي وصفن لنا مدى الظلم، وسوء المعاملة، التي كن يتعرضن لها في مجتمعهن. وأستطيع أن أجزم أن لدى غيري قصصاً هامة حول ذات الموضوع، وإلى أن يتقدم آخرون بسرد القصص التي سمعوها من أجدادهم، وجداتهم، سأتبرع هنا، وأسرد لكم بعض القصص التي سمعتها من جدتي، وذلك لفائدة جيلنا الجديد:-
- جدتي عاشت في وقت تكررت فيه المجاعة في نجد، بحيث أنهم طبخوا الجلود، والعظام، أكثر من مرة، لكي تطعّـم الوجبة، ولو برائحة البروتين.
- في حالات أخرى، عندما تكون هناك حالات رخاء بتوفر السمن الطبيعي (يسمى في نجد ودك)، فلو جاءهم ضيوف، وليس لديهم لحم، فكانوا يكثرون السمن في الوجبة، لكي تسد جوع الضيوف، كبديل عن اللحم.
- جدتي كانت تقول إنه عندما يسافر جدك إلى الكويت، فإن أبريق الشاهي كان يعلّق على الجدار، لأنه مؤشر ترف، لا يستخدمه أحد غيره، من أهل البيت!!
- قصة أخرى، وهي أنه عندما يعود الجد من المطراش (وكلمة مطراش هي من فعل طرَش، أي سافر) وهو تاجر مواشي، ومن ثم يعتبر وضعه المادي جيد، فكان يولم لجيرانه، والروتين المتبع هو أن تبدأ نساء المنزل (ولم يكن هناك خادمات) بتحضير الذبيحة بعد صلاة الفجر، ويستمر عملهن حتى بعد صلاة الظهر، حيث يقدّم الأكل في الشارع، ويأكل الضيوف أولاً، ثم يأتي الجيل الثاني من الضيوف، وربما جيل ثالث، ثم الأطفال، ونادراً ما تعود الصحون وبها ما يسد رمق النساء، اللاتي حضّرن كل شيء، ولكنهن لا يحصلن على أي شيء!
- عاد جدي من إحدى سفراته، وسأل عن زوجته، وقيل له إنها مريضة، فما كان منه إلا أن خطب، وتزوج في تلك الليلة!! ولم تغضب جدتي من ذلك التصرف، بل على العكس، فقد فرحت أن تجد مساعدة لها، في تقاسم أعمال المنزل المضنية!!
- جدتي كانت من جيل لا يتحدث عن الحب، أو العلاقة الزوجية، ولكنها في أحد الأيام فاجئتني بترديد قصيدة نبطية، لم أعد أتذكر منها إلا بيت شعر واحد، يقول:
كلن يقلب عشيرة على فرش الزل
وأنا أتقلب الين ما اذّن الثاني
والثاني المقصود، هو أذان الفجر الثاني، للتدليل على طول فترة الأرق.
هنا أود أن أبرئ ساحة جدي، وأقول إنه لم يكن فريداً في تصرفه تجاه المرأة، فتلك كانت نظرة المجتمع ككل.
بعد كل ذلك الاستعراض لوضع مجتمع عاش قبل مائة سنة، وما عانته المرأة فيه، هل نطمع اليوم بشهادات أخرى عن جداتنا، ومن ثم نبرز دورهن العظيم في حياتنا؟! رحمهن الله.